هذا الدرس الأول من السورة يمثل المقدمة - التي يتوسط القصص بينها وبين التعقيب - وهي تتضمن عرض الحقائق الأساسية في العقيدة الإسلامية: توحيد الدينونة لله الواحد بلا منازع، وعبادة الله وحده بلا شريك; والاعتقاد في البعث والقيامة للحساب والجزاء على ما كان من الناس من عمل وكسب في دار العمل والابتلاء.. مع تعريف الناس بربهم الحق; وصفاته المؤثرة في وجودهم وفي وجود الكون من حولهم; وبيان حقيقة الألوهية وحقيقة العبودية، ومقتضاهما في حياة البشرية، وتوكيد الدينونة لله في الآخرة كالدينونة له سبحانه في الحياة الدنيا.
كذلك تتضمن هذه المقدمة بيانا لطبيعة الرسالة وطبيعة الرسول; كما تتضمن تسلية وترويحا للرسول - صلى الله عليه وسلم - في وجه العناد والتكذيب، والتحدي والمكابرة، التي كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يواجهها في تلك الفترة العصيبة في حياة الدعوة بمكة، كما أسلفنا في التعريف بالسورة. مع تحدي [ ص: 1851 ] المشركين بهذا القرآن الذي يكذبون به، أن يأتوا بعشر سور مثله مفتريات - كما يزعمون أن هذا القرآن مفترى - وتثبيت الرسول - صلى الله عليه وسلم - والقلة المؤمنة معه بهذا التحدي من الله وبذلك العجز من المشركين!
ومع هذا التحدي تهديد قاصم للمكذبين بما ينتظرهم في الآخرة من العذاب الذي يستعجلون به ويكذبون. وهم الذين لا يطيقون أن تنزع منهم رحمة الله في الدنيا، ولا يصبرون على ابتلائه فيها وهو أيسر من عذاب الآخرة!
ثم يجسم هذا التهديد في مشهد من مشاهد القيامة; يتمثل فيه موقف المكذبين بهذا القرآن من أحزاب المشركين; ويتبين فيه عجزهم وعجز أوليائهم عن إنقاذهم من العذاب الأليم، المصحوب بالخزي والتشهير والتنديد والتأنيب. وفي الصفحة المقابلة من المشهد.. الذين آمنوا وعملوا الصالحات وما ينتظرهم من الثواب والنعيم والتكريم.. ومشهد مصور للفريقين - على طريقة القرآن الكريم في التعبير بالتصوير - : مثل الفريقين كالأعمى والأصم والبصير والسميع، هل يستويان مثلا؟ أفلا تذكرون؟ ..