وقبل أن يمضي السياق في بيان أحكام تفصيلية عن
مواعيد الصيام، وحدود المتاع فيه وحدود الإمساك..
نجد لفتة عجيبة إلى أعماق النفس وخفايا السريرة. نجد العوض الكامل الحبيب المرغوب عن مشقة الصوم،
[ ص: 173 ] والجزاء المعجل على الاستجابة لله.. نجد ذلك العوض وهذا الجزاء في القرب من الله، وفي استجابته للدعاء ..
تصوره ألفاظ رفافة شفافة تكاد تنير:
وإذا سألك عبادي عني، فإني قريب أجيب دعوة الداع إذا دعان. فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي، لعلهم يرشدون ..
فإني قريب.. أجيب دعوة الداع إذا دعان.. أية رقة؟ وأي انعطاف؟ وأية شفافية؟ وأي إيناس؟ وأين تقع مشقة الصوم ومشقة أي تكليف في ظل هذا الود، وظل هذا القرب، وظل هذا الإيناس؟
وفي كل لفظ في التعبير في الآية كلها تلك النداوة الحبيبة:
وإذا سألك عبادي عني فإني قريب. أجيب دعوة الداع إذا دعان ..
إضافة العباد إليه، والرد المباشر عليهم منه.. لم يقل: فقل لهم: إني قريب.. إنما تولى بذاته العلية الجواب على عباده بمجرد السؤال.. قريب.. ولم يقل أسمع الدعاء.. إنما عجل بإجابة الدعاء:
أجيب دعوة الداع إذا دعان ..
إنها آية عجيبة.. آية تسكب في قلب المؤمن النداوة الحلوة، والود المؤنس، والرضى المطمئن، والثقة واليقين.. ويعيش منها المؤمن في جناب رضي، وقربى ندية، وملاذ أمين وقرار مكين.
وفي ظل هذا الأنس الحبيب، وهذا القرب الودود، وهذه الاستجابة الوحية.. يوجه الله عباده إلى الاستجابة له، والإيمان به، لعل هذا أن يقودهم إلى الرشد والهداية والصلاح.
فليستجيبوا لي، وليؤمنوا بي لعلهم يرشدون ..
فالثمرة الأخيرة من الاستجابة والإيمان هي لهم كذلك.. وهي الرشد والهدى والصلاح. فالله غني عن العالمين.
والرشد الذي ينشئه الإيمان وتنشئه الاستجابة لله هو الرشد. فالمنهج الإلهي الذي اختاره الله للبشر هو المنهج الوحيد الراشد القاصد; وما عداه جاهلية وسفه لا يرضاه راشد، ولا ينتهي إلى رشاد. واستجابة الله للعباد مرجوة حين يستجيبون له هم ويرشدون . وعليهم أن يدعوه ولا يستعجلوه. فهو يقدر الاستجابة في وقتها بتقديره الحكيم.
أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة من حديث
ابن ميمون - بإسناده - عن
nindex.php?page=showalam&ids=23سلمان الفارسي - رضي الله عنه - عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=703445إن الله تعالى ليستحي أن يبسط العبد إليه يديه يسأله فيهما خيرا فيردهما خائبين .
وأخرج
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي عن
عبد الله بن عبد الرحمن الدارمي - بإسناده - عن
ابن ثوبان : ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن الإمام أحمد - بإسناده - عن
nindex.php?page=showalam&ids=63عبادة بن الصامت : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=702565ما على ظهر الأرض من رجل مسلم يدعو الله عز وجل بدعوة إلا آتاه الله إياها، أو كف عنه من السوء مثلها، ما لم يدع بإثم أو قطيعة رحم .
وفي الصحيحين: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=655865يستجاب لأحدكم ما لم يعجل . يقول: دعوت فلم يستجب لي! ..
وفي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم : عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=661926لا يزال يستجاب للعبد ما لم يدع بإثم [ ص: 174 ] أو قطيعة رحم ما لم يستعجل" قيل: يا رسول الله وما الاستعجال. قال: "يقول: قد دعوت، وقد دعوت، فلم أر يستجاب لي، فيستحسر عند ذلك ويدع الدعاء .
والصائم أقرب الدعاة استجابة ، كما روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14724أبو داود الطيالسي في مسنده - بإسناده - عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما - قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=678256للصائم عند إفطاره دعوة مستجابة .. فكان
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر إذا أفطر دعا أهله وولده ودعا وروى
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجة في سننه - بإسناده - عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر كذلك قال: قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=678256إن للصائم عند فطره دعوة ما ترد وفي مسند
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد وسنن
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - :
قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=665892ثلاثة لا ترد دعوتهم : الإمام العادل، والصائم حتى يفطر، ودعوة المظلوم يرفعها الله دون الغمام يوم القيامة، وتفتح لها أبواب السماء، ويقول: بعزتي لأنصرنك ولو بعد حين ..
ومن ثم جاء ذكر الدعاء في ثنايا الحديث عن الصيام.