ثم نعود إلى استكمال السياق:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وعلى الذين يطيقونه فدية طعام مسكين، فمن تطوع خيرا فهو خير له، وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون ..
وفي أول الأمر كان تكليف الصوم شاقا على المسلمين - وقد فرض في السنة الثانية من الهجرة قبيل فرض الجهاد - فجعل الله فيه رخصة لمن يستطيع الصوم بجهد - وهو مدلول يطيقونه - فالإطاقة الاحتمال بأقصى جهد - جعل الله هذه الرخصة، وهي الفطر مع إطعام مسكين.. ثم حببهم في التطوع بإطعام المساكين إطلاقا، إما تطوعا بغير الفدية، وإما بالإكثار عن حد الفدية، كأن يطعم اثنين أو ثلاثة أو أكثر بكل يوم من أيام الفطر في رمضان:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فمن تطوع خيرا فهو خير له .. ثم حببهم في اختيار الصوم مع المشقة - في غير سفر ولا مرض - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وأن تصوموا خير لكم إن كنتم تعلمون .. لما في الصوم من خير في هذه الحالة. يبدو منه لنا عنصر تربية الإرادة، وتقوية الاحتمال، وإيثار عبادة الله على الراحة. وكلها عناصر مطلوبة في التربية الإسلامية.
كما يبدو لنا منه ما في الصوم من مزايا صحية - لغير المريض - حتى ولو أحس الصائم بالجهد.
وعلى أية حال فقد كان هذا التوجيه تمهيدا لرفع هذه الرخصة عن الصحيح المقيم وإيجاب الصيام إطلاقا.
كما جاء فيما بعد. وقد بقيت للشيخ الكبير الذي يجهده الصوم، ولا ترجى له حالة يكون فيها قادرا على القضاء.. فأخرج الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه بلغه أن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس بن مالك - رضي الله عنه - كبر حتى كان لا يقدر على الصيام فكان يفتدي .. وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : ليست منسوخة، هو الشيخ الكبير والمرأة الكبيرة لا يستطيعان أن يصوما فيطعمان مكان كل يوم مسكينا .. وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابن أبي ليلى قال: دخلت على
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء في رمضان وهو يأكل، فقال: قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس نزلت هذه الآية فنسخت الأولى إلا الكبير الفاني إن شاء أطعم عن كل يوم مسكينا وأفطر .
فالنسخ ثابت في حق الصحيح المقيم بالآية الآتية:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه ... .
وتحبيب آخر في أداء هذه الفريضة للصحيح المقيم.. إنها صوم رمضان: الشهر الذي أنزل فيه القرآن - إما بمعنى أن بدء نزوله كان في رمضان، أو أن معظمه نزل في أشهر رمضان - والقرآن هو كتاب هذه الأمة الخالد ، الذي أخرجها من الظلمات إلى النور، فأنشأها هذه النشأة، وبدلها من خوفها أمنا، ومكن لها في الأرض، ووهبها مقوماتها التي صارت بها أمة، ولم تكن من قبل شيئا. وهي بدون هذه المقومات ليست أمة وليس لها مكان في الأرض ولا ذكر في السماء. فلا أقل من شكر الله على نعمة هذا القرآن بالاستجابة إلى صوم
[ ص: 172 ] الشهر الذي نزل فيه القرآن:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن، هدى للناس وبينات من الهدى والفرقان.. فمن شهد منكم الشهر فليصمه. ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ..
وهذه هي الآية الموجبة الناسخة لرخصة الإفطار والفدية بالنسبة للصحيح المقيم - فيما عدا الشيخ والشيخة كما أسلفنا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فمن شهد منكم الشهر فليصمه ..
أي: من حضر منكم الشهر غير مسافر. أو من رأى منكم هلال الشهر. والمستيقن من مشاهدة الهلال بأية وسيلة أخرى كالذي يشهده في إيجاب الصوم عليه عدة أيام رمضان.
ولما كان هذا نصا عاما فقد عاد ليستثني منه من كان مريضا أو على سفر :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ومن كان مريضا أو على سفر فعدة من أيام أخر ..
وتحبيب ثالث في أداء الفريضة، وبيان لرحمة الله في التكليف وفي الرخصة سواء:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر ..
وهذه هي القاعدة الكبرى في تكاليف هذه العقيدة كلها. فهي ميسرة لا عسر فيها. وهي توحي للقلب الذي يتذوقها، بالسهولة واليسر في أخذ الحياة كلها; وتطبع نفس المسلم بطابع خاص من السماحة التي لا تكلف فيها ولا تعقيد. سماحة تؤدى معها كل التكاليف وكل الفرائض وكل نشاط الحياة الجادة وكأنما هي مسيل الماء الجاري، ونمو الشجرة الصاعدة في طمأنينة وثقة ورضاء. مع الشعور الدائم برحمة الله وإرادته اليسر لا العسر بعباده المؤمنين.
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=2527جعل الصوم للمسافر والمريض في أيام أخر، لكي يتمكن المضطر من إكمال عدة أيام الشهر، فلا يضيع عليه أجرها:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ولتكملوا العدة .
والصوم على هذا نعمة تستحق التكبير والشكر:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ولتكبروا الله على ما هداكم. ولعلكم تشكرون ..
فهذه غاية من غايات الفريضة.. أن يشعر الذين آمنوا بقيمة الهدى الذي يسره الله لهم. وهم يجدون هذا في أنفسهم في فترة الصيام أكثر من كل فترة. وهم مكفوفو القلوب عن التفكير في المعصية، ومكفوفو الجوارح عن إتيانها. وهم شاعرون بالهدى ملموسا محسوسا. ليكبروا الله على هذه الهداية، وليشكروه على هذه النعمة. ولتفيء قلوبهم إليه بهذه الطاعة. كما قال لهم في مطلع الحديث عن الصيام:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183لعلكم تتقون .
وهكذا تبدو منة الله في هذا التكليف الذي يبدو شاقا على الأبدان والنفوس. وتتجلى الغاية التربوية منه، والإعداد من ورائه للدور العظيم الذي أخرجت هذه الأمة لتؤديه، أداء تحرسه التقوى ورقابة الله وحساسية الضمير.
ثُمَّ نَعُودُ إِلَى اسْتِكْمَالِ السِّيَاقِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ، فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ، وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ ..
وَفِي أَوَّلِ الْأَمْرِ كَانَ تَكْلِيفُ الصَّوْمِ شَاقًّا عَلَى الْمُسْلِمِينَ - وَقَدْ فَرَضَ فِي السَّنَةِ الثَّانِيَةِ مِنَ الْهِجْرَةِ قُبَيْلَ فَرْضِ الْجِهَادِ - فَجَعَلَ اللَّهُ فِيهِ رُخْصَةً لِمَنْ يَسْتَطِيعُ الصَّوْمَ بِجُهْدٍ - وَهُوَ مَدْلُولُ يُطِيقُونَهُ - فَالْإِطَاقَةُ الِاحْتِمَالُ بِأَقْصَى جُهْدٍ - جَعَلَ اللَّهُ هَذِهِ الرُّخْصَةَ، وَهِيَ الْفِطَرُ مَعَ إِطْعَامٍ مِسْكِينٍ.. ثُمَّ حَبَّبَهُمْ فِي التَّطَوُّعِ بِإِطْعَامِ الْمَسَاكِينِ إِطْلَاقًا، إِمَّا تَطَوُّعًا بِغَيْرِ الْفِدْيَةِ، وَإِمَّا بِالْإِكْثَارِ عَنْ حَدِّ الْفِدْيَةِ، كَأَنَّ يُطْعِمَ اثْنَيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ أَوْ أَكْثَرَ بِكُلِّ يَوْمٍ مِنْ أَيَّامِ الْفِطْرِ فِي رَمَضَانَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ .. ثُمَّ حَبَّبَهُمْ فِي اخْتِيَارِ الصَّوْمِ مَعَ الْمَشَقَّةِ - فِي غَيْرِ سَفَرٍ وَلَا مَرَضٍ - :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=184وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ .. لِمَا فِي الصَّوْمِ مِنْ خَيْرٍ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ. يَبْدُو مِنْهُ لَنَا عُنْصُرُ تَرْبِيَةِ الْإِرَادَةِ، وَتَقْوِيَةِ الِاحْتِمَالِ، وَإِيثَارِ عِبَادَةِ اللَّهِ عَلَى الرَّاحَةِ. وَكُلُّهَا عَنَاصِرُ مَطْلُوبَةٌ فِي التَّرْبِيَةِ الْإِسْلَامِيَّةِ.
كَمَا يَبْدُو لَنَا مِنْهُ مَا فِي الصَّوْمِ مِنْ مَزَايَا صِحِّيَّةٍ - لِغَيْرِ الْمَرِيضِ - حَتَّى وَلَوْ أَحَسَّ الصَّائِمُ بِالْجُهْدِ.
وَعَلَى أَيَّةِ حَالٍ فَقَدْ كَانَ هَذَا التَّوْجِيهُ تَمْهِيدًا لِرَفْعِ هَذِهِ الرُّخْصَةِ عَنِ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَإِيجَابِ الصِّيَامِ إِطْلَاقًا.
كَمَا جَاءَ فِيمَا بَعْدُ. وَقَدْ بَقِيَتْ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ الَّذِي يُجْهِدُهُ الصَّوْمُ، وَلَا تُرْجَى لَهُ حَالَةٌ يَكُونُ فِيهَا قَادِرًا عَلَى الْقَضَاءِ.. فَأَخْرَجَ الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَبِرَ حَتَّى كَانَ لَا يَقْدِرُ عَلَى الصِّيَامِ فَكَانَ يَفْتَدِي .. وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ : لَيْسَتْ مَنْسُوخَةً، هُوَ الشَّيْخُ الْكَبِيرُ وَالْمَرْأَةُ الْكَبِيرَةُ لَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا .. وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=12526ابْنِ أَبِي لَيْلَى قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16568عَطَاءٍ فِي رَمَضَانَ وَهُوَ يَأْكُلُ، فَقَالَ: قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فَنَسَخَتِ الْأُولَى إِلَّا الْكَبِيرَ الْفَانِي إِنْ شَاءَ أَطْعَمَ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا وَأُفْطِرُ .
فَالنَّسْخُ ثَابِتٌ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ بِالْآيَةِ الْآتِيَةِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ... .
وَتَحْبِيبٌ آخَرُ فِي أَدَاءِ هَذِهِ الْفَرِيضَةِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ.. إِنَّهَا صَوْمُ رَمَضَانَ: الشَّهْرُ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ - إِمَّا بِمَعْنَى أَنَّ بَدْءَ نُزُولِهِ كَانَ فِي رَمَضَانَ، أَوْ أَنَّ مُعْظَمَهُ نَزَلَ فِي أَشْهُرِ رَمَضَانَ - وَالْقُرْآنُ هُوَ كِتَابُ هَذِهِ الْأُمَّةِ الْخَالِدُ ، الَّذِي أَخْرَجَهَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، فَأَنْشَأَهَا هَذِهِ النَّشْأَةَ، وَبَدَّلَهَا مِنْ خَوْفِهَا أَمْنًا، وَمَكَّنَ لَهَا فِي الْأَرْضِ، وَوَهَبَهَا مُقَوِّمَاتِهَا الَّتِي صَارَتْ بِهَا أُمَّةً، وَلَمْ تَكُنْ مِنْ قَبْلُ شَيْئًا. وَهِيَ بِدُونِ هَذِهِ الْمُقَوِّمَاتِ لَيْسَتْ أُمَّةً وَلَيْسَ لَهَا مَكَانٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا ذِكْرٌ فِي السَّمَاءِ. فَلَا أَقَلَّ مِنْ شُكْرِ اللَّهِ عَلَى نِعْمَةِ هَذَا الْقُرْآنِ بِالِاسْتِجَابَةِ إِلَى صَوْمٍ
[ ص: 172 ] الشَّهْرُ الَّذِي نَزَلَ فِيهِ الْقُرْآنُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ، هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ.. فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ. وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنَ أَيَّامٍ أُخَرَ ..
وَهَذِهِ هِيَ الْآيَةُ الْمُوجِبَةُ النَّاسِخَةُ لِرُخْصَةِ الْإِفْطَارِ وَالْفِدْيَةُ بِالنِّسْبَةِ لِلصَّحِيحِ الْمُقِيمِ - فِيمَا عَدَا الشَّيْخُ وَالشَّيْخَةُ كَمَا أَسْلَفْنَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ ..
أَيْ: مَنْ حَضَرَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ غَيْرَ مُسَافِرٍ. أَوْ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ هِلَالَ الشَّهْرِ. وَالْمُسْتَيْقِنُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْهِلَالِ بِأَيَّةِ وَسِيلَةٍ أُخْرَى كَالَّذِي يَشْهَدُهُ فِي إِيجَابِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ عِدَّةَ أَيَّامِ رَمَضَانَ.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا نَصًّا عَامًّا فَقَدْ عَادَ لِيَسْتَثْنِيَ مِنْهُ مَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ..
وَتَحْبِيبٌ ثَالِثٌ فِي أَدَاءِ الْفَرِيضَةِ، وَبَيَانٌ لِرَحْمَةِ اللَّهِ فِي التَّكْلِيفِ وَفِي الرُّخْصَةِ سَوَاءٌ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ ..
وَهَذِهِ هِيَ الْقَاعِدَةُ الْكُبْرَى فِي تَكَالِيفِ هَذِهِ الْعَقِيدَةِ كُلِّهَا. فَهِيَ مُيَسَّرَةٌ لَا عُسْرَ فِيهَا. وَهِيَ تُوحِي لِلْقَلْبِ الَّذِي يَتَذَوَّقُهَا، بِالسُّهُولَةِ وَالْيُسْرِ فِي أَخْذِ الْحَيَاةِ كُلِّهَا; وَتَطَبُّعِ نَفْسِ الْمُسْلِمِ بِطَابَعٍ خَاصٍّ مِنَ السَّمَاحَةِ الَّتِي لَا تَكَلُّفَ فِيهَا وَلَا تَعْقِيدَ. سَمَاحَةٌ تُؤَدَّى مَعَهَا كُلُّ التَّكَالِيفِ وَكُلُّ الْفَرَائِضِ وَكُلُّ نَشَاطِ الْحَيَاةِ الْجَادَّةِ وَكَأَنَّمَا هِيَ مَسِيلُ الْمَاءِ الْجَارِي، وَنُمُوُّ الشَّجَرَةِ الصَّاعِدَةِ فِي طُمَأْنِينَةٍ وَثِقَةٍ وَرِضَاءٍ. مَعَ الشُّعُورِ الدَّائِمِ بِرَحْمَةِ اللَّهِ وَإِرَادَتِهِ الْيُسْرَ لَا الْعُسْرَ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ.
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=2527جَعَلَ الصَّوْمَ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فِي أَيَّامٍ أُخَرَ، لِكَيْ يَتَمَكَّنَ الْمُضْطَرُّ مِنْ إِكْمَالِ عِدَّةِ أَيَّامِ الشَّهْرِ، فَلَا يَضِيعُ عَلَيْهِ أَجْرُهَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ .
وَالصَّوْمُ عَلَى هَذَا نِعْمَةٌ تَسْتَحِقُّ التَّكْبِيرَ وَالشُّكْرَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ. وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ..
فَهَذِهِ غَايَةٌ مِنْ غَايَاتِ الْفَرِيضَةِ.. أَنْ يَشْعُرَ الَّذِينَ آمَنُوا بِقِيمَةِ الْهُدَى الَّذِي يُسِرُّهُ اللَّهُ لَهُمْ. وَهُمْ يَجِدُونَ هَذَا فِي أَنْفُسِهِمْ فِي فَتْرَةِ الصِّيَامِ أَكْثَرَ مِنْ كُلِّ فَتْرَةٍ. وَهُمْ مَكْفُوفُو الْقُلُوبِ عَنِ التَّفْكِيرِ فِي الْمَعْصِيَةِ، وَمَكْفُوفُو الْجَوَارِحِ عَنْ إِتْيَانِهَا. وَهُمْ شَاعِرُونَ بِالْهُدَى مَلْمُوسًا مَحْسُوسًا. لِيُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى هَذِهِ الْهِدَايَةِ، وَلِيَشْكُرُوهُ عَلَى هَذِهِ النِّعْمَةِ. وَلِتَفِيءَ قُلُوبُهُمْ إِلَيْهِ بِهَذِهِ الطَّاعَةِ. كَمَا قَالَ لَهُمْ فِي مَطْلَعِ الْحَدِيثِ عَنِ الصِّيَامِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=183لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ .
وَهَكَذَا تَبْدُو مِنَّةُ اللَّهِ فِي هَذَا التَّكْلِيفِ الَّذِي يَبْدُو شَاقًّا عَلَى الْأَبْدَانِ وَالنُّفُوسِ. وَتَتَجَلَّى الْغَايَةُ التَّرْبَوِيَّةُ مِنْهُ، وَالْإِعْدَادُ مِنْ وَرَائِهِ لِلدَّوْرِ الْعَظِيمِ الَّذِي أُخْرِجَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ لِتُؤَدِّيهِ، أَدَاءً تَحْرُسُهُ التَّقْوَى وَرِقَابَةُ اللَّهِ وَحَسَاسِيَةُ الضَّمِيرِ.