وقوله عز وجل :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه يدل على النهي عن
صيام يوم الشك من رمضان ؛ لأن الشاك غير شاهد للشهر ؛ إذ هو غير عالم به ، فغير جائز له أن يصومه عن رمضان ويدل عليه أيضا قوله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=668349صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، فإن غم عليكم فعدوا شعبان ثلاثين فحكم لليوم الذي غم علينا هلاله بأنه من شعبان ، وغير جائز أن يصام شعبان عن رمضان مستقبلا .
ويدل عليه ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
الفضل بن المخلد المؤدب قال : حدثنا
محمد بن ناصح قال : حدثنا
بقية عن
علي القرشي قال : أخبرني
nindex.php?page=showalam&ids=17000محمد بن عجلان عن
صالح مولى التوأمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال :
نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صوم يوم الدأدأة . وهو اليوم الذي يشك فيه لا يدرى من شعبان هو أم من رمضان
حدثنا
محمد بن بكر : قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قال : حدثنا
محمد بن عبد الله بن نمير قال : حدثنا
أبو خالد الأحمر عن
عمرو بن قيس ، عن
أبي إسحاق ، عن
صلة قال : كنا عند
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار في اليوم الذي يشك فيه ، فأتي بشاة ، فتنحى بعض القوم ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=56عمار :
nindex.php?page=hadith&LINKID=678148من صام هذا اليوم فقد عصى أبا القاسم صلى الله عليه وسلم .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي قال : حدثنا
علي بن محمد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17173موسى بن إسماعيل قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15741حماد عن
محمد بن عمرو ، وعن
أبي سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662990صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ، ولا تقدموا بين يديه بصيام يوم [ ص: 256 ] ولا يومين إلا أن يوافق ذلك صوما كان يصومه أحدكم . ومعاني هذه الآثار موافقة لدلالة قوله تعالى :
فمن شهد منكم الشهر فليصمه ولا يرى أصحابنا بأسا بأن يصومه تطوعا ؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لما حكم بأنه من شعبان فقد أباح صومه تطوعا .
وقد اختلف في
الهلال يرى نهارا ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبو حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " إذا رأى الهلال نهارا فهو لليلة المستقبلة " ولا فرق عندهم بين رؤيته قبل الزوال وبعده . وروي مثله عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=9وأنس بن مالك وأبي وائل nindex.php?page=showalam&ids=15990وسعيد بن المسيب nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=11867وجابر بن زيد .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب فيه روايتان : إحداهما : أنه إذا رأى الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية ، وإذا رآه بعد الزوال فهو لليلة المستقبلة ؛ وبه أخذ
nindex.php?page=showalam&ids=14954أبو يوسف nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري .
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
الركين بن الربيع عن أبيه قال : كنت مع
سليمان بن ربيعة ببلنجر فرأيت الهلال ضحى فأخبرته ، فجاء فقام تحت شجرة فنظر إليه ، فلما رآه أمر الناس أن يفطروا .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : قال الله تعالى :
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل وقد كان هذا الرجل مخاطبا بفعل الصوم في آخر رمضان مرادا بقوله تعالى :
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر فواجب أن يكون داخلا في خطاب قوله :
ثم أتموا الصيام إلى الليل ؛ لأن الله تعالى لم يخص حالا من حال ، فهو على سائر الأحوال سواء رأى الهلال بعد ذلك أو لم يره .
ويدل عليه أيضا اتفاق الجميع على أن رؤيته بعد الزوال لم يزل عنه الخطاب بإتمام الصوم بل كان داخلا في حكم اللفظ ، فكذلك رؤيته قبل الزوال لدخوله في عموم اللفظ .
ويدل عليه أيضا قول النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658817صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته ومعلوم أن مراده صوم يستقبله بعد الرؤية ؛ والدلالة على ذلك من وجهين : أحدهما : استحالة الأمر بصوم يوم ماض ، والآخر اتفاق المسلمين على أنه إذا رأى الهلال في آخر ليلة من شعبان كان عليه صيام ما يستقبل من الأيام . فثبت أن قوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=909254صوموا لرؤيته إنما هو صوم بعد الرؤية ، فمن رأى الهلال نهارا قبل الزوال في آخر يوم من شعبان لزمه صوم ما يستقبل دون ما مضى لقصور مراد النبي صلى الله عليه وسلم على صوم يفعله بعد الرؤية .
وأيضا قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=668349صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين فأوجب بذلك اعتبار الثلاثين لكل شهر يخفى علينا رؤية الهلال فيه ، فلو احتمل
[ ص: 257 ] الهلال الذي رأى نهارا الليلة الماضية واحتمل الليلة المستقبلة لكان الاحتمال لذلك جاعله في حكم ما خفي علينا رؤيته ، فواجب أن يعد الشهر ثلاثين يوما بقضية قوله صلى الله عليه وسلم .
فإن قيل : لما قال صلى الله عليه وسلم : " وأفطروا لرؤيته " اقتضى ظاهر الأمر بالإفطار أي وقت رأى الهلال فيه ، فلما اتفق الجميع على أنه مزجور عن الإفطار لرؤيته بعد الزوال خصصناه منه وبقي حكم العموم في رؤيته قبل الزوال . قيل له : مراده صلى الله عليه وسلم رؤيته ليلا ، بدلالة أن رؤيته بعد الزوال لا توجب له الإفطار ؛ لأنه رآه نهارا ، وكذلك حكمه قبل الزوال لوجود هذا المعنى .
وأيضا لو كان ذلك محمولا على حقيقته لاقتضى أن يكون ما بعد الرؤية من ذلك اليوم من شوال وما قبله من رمضان لحصول اليقين بأن مراده الإفطار لرؤية متقدمة لا لرؤية متأخرة عنه ؛ لاستحالة أمره بالإفطار في وقت قد تقدم الرؤية ، فيوجب ذلك أن يكون ما بعد الرؤية من هذا اليوم من شوال ، وما قبلها من رمضان ، فيكون الشهر تسعة وعشرين يوما ، وبعض يوم .
وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم للشهر بأحد عددين من ثلاثين أو تسعة وعشرين ، لقوله عليه السلام :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886916الشهر تسعة وعشرون وقوله : الشهر ثلاثون واتفقت الأمة على وجوب اعتقاد معنى هذا الخبر في أن الشهر لا ينفك من أن يكون على أحد العددين اللذين ذكرنا ، وأن الشهور التي تتعلق بها الأحكام لا تكون إلا على أحد وجهين دون أن يكون تسعا وعشرين وبعض يوم ، وإنما النقصان والزيادة بالكسور إنما يكون في غير الشهور الإسلامية ، نحو شهور
الروم التي منها ما هو ثمانية وعشرون يوما وربع يوم وهو شباط إلا في السنة الكبيسة فإنه يكون تسعة وعشرين يوما ، ومنها ما هو واحد وثلاثون ومنها ما هو ثلاثون ، وليس ذلك في الشهور الإسلامية .
كذلك فلما امتنع أن يكون الشهر إلا ثلاثين يوما أو تسعة وعشرين يوما علمنا أنه لم يرد بقوله : " صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته " إلا أن يرى ليلا ، وأنه لا اعتبار برؤيته نهارا لإيجابه كون بعض يوم من هذا الشهر وبعضه من شهر غيره .
وأيضا فإن الذي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=658817صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته هو الذي قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=662990فإن غم عليكم فعدوا ثلاثين ورؤيته نهارا في معنى ما قد غمي علينا لاشتباه الأمر في كونه لليلة الماضية أو المستقبلة ، وذلك يوجب عده ثلاثين . وأيضا قد ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=682726صوموا لرؤيته وأفطروا لرؤيته فإن حال بينكم وبينه سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وقد تقدم ذكر سنده ؛ فحكم النبي صلى الله عليه وسلم للهلال الذي قد حال بيننا وبينه حائل
[ ص: 258 ] من سحاب بحكم ما لم ير لو لم يكن سحاب ، مع العلم بأنه لو لم يكن بيننا وبينه حائل من سحاب لرئي ، لولا ذلك لم يكن لقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=65299فإن حال بينكم وبينه سحاب أو قترة فعدوا ثلاثين معنى ؛ لأنه لو كان يستحيل وقوع العلم لنا بأن بيننا وبينه حائلا من سحاب لما قال صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=hadith&LINKID=682726فإن حال بينكم وبينه سحاب فعدوا ثلاثين فيجعل ذلك شرطا لعد ثلاثين مع علمه باليأس من وقوع علمنا بذلك .
وإذا كان ذلك كذلك فقد اقتضى هذا القول من النبي صلى الله عليه وسلم أنا متى علمنا أن بيننا وبين الهلال حائلا من سحاب لو لم يكن لرأيناه أن نحكم لهذا اليوم بغير حكم الرؤية ، فاعتبار عدم الرؤية من الليل فيما رأيناه نهارا أولى ، فأوجب ذلك أن يكون حكم هذا اليوم حكم ما قبله ويكون من الشهر الماضي دون المستقبل لعدم الرؤية من الليل ، بل هو أضعف أمرا مما حال بيننا وبين رؤيته سحاب ؛ لأن ذلك قد يحيط العلم به وهذا لا يحيط علمنا بأنه من الليلة الماضية بل أحاط العلم بأنا لم نره الليلة الماضية مع عدم الحائل بيننا وبينه من سحاب أو غيره ، والله الموفق للصواب .