باب
العمرة هل هي فرض أم تطوع قال الله تعالى :
وأتموا الحج والعمرة لله واختلف
السلف في تأويل هذه الآية ، فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس قالوا : " إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك " . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : " إتمامهما بلوغ آخرهما بعد الدخول فيهما " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء : " هو إقامتهما إلى آخر ما فيهما لله تعالى لأنهما واجبان " كأنهما تأولا ذلك على الأمر بفعلهما ، كقوله لو قال " حجوا واعتمروا " . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس قالا : " إتمامهما إفرادهما " وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة إتمام العمرة الاعتمار في غير أشهر الحج وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16588علقمة في قوله تعالى
والعمرة لله قال : " لا تجاوز بها البيت " وقد اختلف
السلف في وجوب العمرة فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=12354وإبراهيم النخعي nindex.php?page=showalam&ids=14577والشعبي أنها تطوع قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قوله :
وأتموا الحج والعمرة لله قال : " ما أمرنا به فيهما " . وقالت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12وابن عمر [ ص: 329 ] nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين : " هي واجبة " وروي نحوه عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس عن أبيه قال : " العمرة واجبة " . واحتج من أوجبها بظاهر قوله :
وأتموا الحج والعمرة لله قالوا : واللفظ يحتمل إتمامهما بعد الدخول فيهما ويحتمل الأمر بابتداء فعلهما ، فالواجب حمله على الأمرين ، بمنزلة عموم يشتمل على مشتمل فلا يخرج منه شيء إلا بدلالة .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : ولا دلالة في الآية على وجوبها ؛ وذلك لأن أكثر ما فيها الأمر بإتمامهما ، وذلك إنما يقتضي نفي النقصان عنهما إذا فعلت ؛ لأن ضد التمام هو النقصان لا البطلان ، ألا ترى أنك تقول للناقص إنه غير تام ولا تقول مثله لما لم يوجد منه شيء ؟ فعلمنا أن الأمر بالإتمام إنما اقتضى نفي النقصان ، ولذلك قال
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر : " إتمامهما أن تحرم بهما من دويرة أهلك " يعني الأبلغ في نفي النقصان الإحرام بهما من دويرة أهلك . وإذا كان على ما وصفنا كان تقديره : أن لا يفعلهما ناقصين . وقوله : " لا يفعلهما ناقصين " لا يدل على الوجوب لجواز إطلاق ذلك على النوافل ، ألا ترى أنك تقول : " لا تفعل الحج التطوع ولا العمرة التطوع ناقصين ولا صلاة النفل ناقصة " ؟ فإذا كان الأمر بالإتمام يقتضي نفي النقصان فلا دلالة فيه إذا على وجوبها . ويدل على صحة ذلك أن العمرة التطوع والحج النفل مرادان بهذه الآية في النهي عن فعلهما ناقصين ، ولم يدل ذلك على وجوبهما في الأصل . وأيضا فإن الأظهر من لفظ الإتمام إنما يطلق بعد الدخول فيه ، قال الله عز وجل :
وكلوا واشربوا حتى يتبين لكم الخيط الأبيض من الخيط الأسود من الفجر ثم أتموا الصيام إلى الليل فأطلق عليه لفظ الإتمام بعد الدخول ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=650857ما أدركتم فصلوا ، وما فاتكم فأتموا فأطلق لفظ الإتمام عليها بعد الدخول فيها . ويدل على أن المراد إيجاب إتمامهما بعد الدخول فيهما ، أن الحج والعمرة النافلتين يلزمه إتمامهما بعد الدخول فيهما بالآية ، فكان بمنزلة قوله : " أتموهما بعد الدخول فيهما " فغير جائز إذا ثبت أن المراد لزوم الإتمام بعد الدخول حمله على الابتداء لتضاد المعنيين ، ألا ترى أنه إذا أراد به الإلزام بالدخول انتفى أن يريد به الإلزام قبل الدخول ؟ ناف لكونه واجبا بالدخول ، ألا ترى أنه لا يجوز أن يقال : إن حجة الإسلام إنما تلزم الدخول وإن صلاة الظهر متعلق لزومها بالدخول فيها ؟ وهذا يدل على أنه غير جائز إرادة إيجابهما بالدخول وإيجابهما ابتداء قبل الدخول فيهما ؛ فثبت بما وصفنا أنه لا دلالة في هذه الآية على وجوب العمرة قبل الدخول فيها ومما يدل على
[ ص: 330 ] أنها ليست بواجبة ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=933840العمرة هي الحج الأصغر . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد قالا : " العمرة هي الحج الأصغر " . وإذا ثبت أن اسم الحج يتناول العمرة ، ثم ثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم ما حدثنا
محمد بن بكر قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود قال : حدثنا
زهير بن حرب nindex.php?page=showalam&ids=16544وعثمان بن أبي شيبة قالا : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17376يزيد بن هارون عن
nindex.php?page=showalam&ids=16006سفيان بن حسين ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
أبي سنان الدؤلي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس :
nindex.php?page=hadith&LINKID=683978أن الأقرع بن حابس سأل النبي صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله الحج في كل سنة أو مرة واحدة ؟ قال : بل مرة واحدة فمن زاد فتطوع فلما سمى النبي صلى الله عليه وسلم العمرة في الخبر الأول حجا وقال
للأقرع nindex.php?page=hadith&LINKID=101239الحج مرة واحدة فمن زاد فتطوع انتفى بذلك وجوب العمرة ؛ إذ كانت قد تسمى حجا . ويدل عليه ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
يعقوب بن يوسف المطوعي قال : حدثنا
أبو عبد الرحمن عن
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر قال : حدثنا
عبد الرحمن بن سليمان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15689حجاج بن أرطاة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=74146سأل رجل النبي صلى الله عليه وسلم عن الصلاة والحج أواجب ؟ قال : نعم وسأله عن العمرة أهي واجبة ؟ قال : لا ولأن تعتمر خير لك . ورواه أيضا
عباد بن كثير عن
nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر مثل حديث
الحجاج وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15541بشر بن موسى قال : حدثنا
ابن الأصبهاني قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=16101شريك وجرير وأبو الأحوص عن
معاوية بن إسحاق عن
أبي صالح قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=14045الحج جهاد والعمرة تطوع . ويدل عليه أيضا حديث
جعفر بن محمد عن أبيه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663224دخلت العمرة في الحج إلى يوم القيامة ومعناه : أنه ناب عنها ؛ لأن أفعال العمرة موجودة في أفعال الحج وزيادة ؛ ولا يجوز أن يكون المراد أن وجوبها كوجوب الحج ؛ لأنه حينئذ لا تكون العمرة بأولى أن تدخل في الحج من الحج بأن يدخل في العمرة ؛ إذ هما جميعا واجبان ، كما لا يقال دخلت الصلاة في الحج ؛ لأنها واجبة كوجوب الحج . ويدل عليه حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679484أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أصحابه حين أحرموا بالحج أن يحلوا منه بعمرة ، وأن سراقة بن مالك قال : أعمرتنا هذه لعامنا هذا أم للأبد ؟ فقال : بل للأبد ومعلوم أن هذه كانت عمل عمرة يحلل بها من إحرام الحج كما يتحلل الذي يفوته الحج بعمل عمرة وهي غير مجزية عن فرض العمرة عند من يراها فرضا ، فدل ذلك على أن العمرة غير مفروضة ؛ لأنها لو كانت مفروضة لما قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=669016عمرتكم هذه للأبد وفيه إخبار بأنه لا عمرة عليهم غيرها ويدل على أن ما يتحلل به من إحرام
[ ص: 331 ] الحج ليس بعمرة أنه لو بقي الذي يفوته الحج على إحرامه حتى تحلل منه بعمرة في أشهر الحرم وحج من عامه ، أنه لا يكون متمتعا . ومما يحتج به لذلك من طريق النظر بأن الفروض مخصوصة بأوقات يتعلق وجوبها بوجودها كالصلاة والصيام والزكاة والحج ، فلو كانت العمرة فرضا لوجب أن تكون مخصوصة بوقت ، فلما لم تكن مخصوصة بوقت كانت مطلقة له أن يفعلها متى شاء ، فأشبهت الصلاة التطوع والصوم النفل .
فإن قيل : إن الحج النفل مخصوص بوقت ولم يدل ذلك على وجوبه . قيل له : هذا لا يلزم ؛ لأنا قلنا إن من شرط الفروض التي تلزم كل أحد في نفسه كونها مخصوصة بأوقات ، وما ليس مخصوصا بوقت فليس بفرض ، وليس يمتنع على ذلك أن يكون بعض النوافل مخصوصا بوقت وبعضها مطلق غير مخصوص بوقت ؛ فكل ما كان غير مخصوص بوقت فهو نافلة وما هو مخصوص بوقت فعلى ضربين : منه فرض ، ومنه نفل .
ومما يحتج به أيضا من طريق الأثر ، ما حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي بن قانع قال : حدثنا
إسماعيل بن الفضل قال : حدثنا
هشام بن عمار قال : حدثنا
الحسن بن يحيى الخشني قال : حدثنا
عمر بن قيس قال : حدثني
طلحة بن موسى ، عن عمه
إسحاق بن طلحة ، عن
طلحة بن عبد الله ، أنه سمع النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
nindex.php?page=hadith&LINKID=14045الحج جهاد والعمرة تطوع .
وحدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13433عبد الباقي قال : حدثنا
أحمد بن بحتر العطار قال : حدثنا
محمد بن بكر قال : حدثنا
محمد بن الفضل بن عطية ، عن
سالم الأفطس ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=14045الحج جهاد والعمرة تطوع واحتج من رآها واجبة بما روى
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=14049الحج والعمرة فريضتان واجبتان . وبما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن عن
سمرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=930389أقيموا الصلاة وآتوا الزكاة وحجوا واعتمروا واستقيموا يستقم لكم وأمره على الوجوب . وبما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه
nindex.php?page=hadith&LINKID=65997سئل عن الإسلام ، فذكر الصلاة وغيرها ثم قال : وأن تحج وتعتمر . ويقول
صبي بن معبد : " وجدت الحج والعمرة مكتوبتين علي " قال ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر فلم ينكر عليه ، وقال له " اجمعهما " . وبحديث
أبي رزين رجل من
بني عامر أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=663222يا رسول الله إن أبي شيخ كبير لا يستطيع الحج والعمرة ولا الظعن ؟ قال : احجج عن أبيك واعتمر . فأما حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر في وجوب العمرة من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة فهو ضعيف كثير الخطإ ، يقال احترقت كتبه فعول على حفظه وكان سيئ الحفظ ، وإسناد حديث
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر الذي رويناه في عدم وجوبها أحسن من إسناد حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة
ولو تساويا لكن أكبر
[ ص: 332 ] أحوالهما أن يتعارضا فيسقطا جميعا ويبقى لنا حديث
طلحة nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس من غير معارض .
فإن قال قائل : ليس حديث
الحجاج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16920محمد بن المنكدر عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر الذي رويته في نفي الإيجاب بمعارض لحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر في إيجابها ؛ لأن حديث
الحجاج وارد على الأصل وحديث
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة ناقل عنه ، ومتى ورد خبران أحدهما ناف والآخر مثبت فالمثبت منهما أولى ، وكذلك إذا كان أحدهما موجبا والآخر غير موجب ؛ لأن الإيجاب يقتضي حظر تركه ونفيه لا حظر فيه والخبر الحاظر أولى من المبيح . قيل له : هذا لا يجب من قبل أن حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16457ابن لهيعة في إيجابها لو كان ثابتا لورد النقل به مستفيضا لعموم الحاجة إليه ولوجب أن يعرفه كل من عرف وجوب الحج ؛ إذ كان وجوبها كوجوب الحج ومن خوطب به فهو مخاطب بها ، فغير جائز فيما كان هذا وصفه أن يكون وروده من طريق الآحاد مع ما في سنده من الضعف ومعارضة غيره إياه . وأيضا فمعلوم أن الروايتين وردتا عن رجل واحد ، فلو كان خبر الوجوب متأخرا في التاريخ عن خبر نفيه لبينه
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر في حديثه ، ولقال : قال النبي صلى الله عليه وسلم في العمرة إنها تطوع ثم قال بعد ذلك إنها واجبة ؛ إذ غير جائز أن يكون عنده الخبران جميعا مع علمه بتاريخهما فيطلق الرواية تارة بالإيجاب وتارة بضده من غير ذكر تاريخ ؛ فدل ذلك على أن هذين الخبرين وردا متعارضين ، وإنما يعتبر خبر المثبت والنافي على ما ذكرنا من الاعتبار إذا وردت الروايتان من جهتين . وأما حديث
سمرة وقوله " فاعتمروا " فإنه على الندب بالدلائل التي قدمنا . فأما قوله حين سئل عن الإسلام فذكر الصلاة وغيرها ثم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=886592وأن تحج وتعتمر فإن النوافل من الإسلام ، وكذلك كل ما يتقرب به إلى الله تعالى لأنه من شرائعه ؛ وقد روي أن الإسلام بضع وسبعون خصلة منها إماطة الأذى عن الطريق . وأما قول
صبي بن معبد nindex.php?page=showalam&ids=2لعمر : " وجدت الحج والعمرة مكتوبين علي " وسكوت
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر عنه وتركه النكير عليه ، فإنه إنما قال هما مكتوبان علي ولم يقل مكتوبتان على الناس ، فظاهره يقتضي أن يكون نذرهما فصارا مكتوبين عليه بالنذر . وأيضا فإنه إنما قاله تأويلا منه للآية ، وفيه مساغ للتأويل ، فلم ينكره عمر لاحتمالها له ، وهو بمنزلة قول القائل بوجوب العمرة فلا يستحقون النكير ؛ إذ كان الاجتهاد سائغا فيه . وأما قول النبي صلى الله عليه وسلم للرجل الذي سأله عن الحج عن أبيه وقوله
nindex.php?page=hadith&LINKID=663222حج عن أبيك واعتمر فلا دلالة فيه على وجوبها لأنه لا خلاف أن هذا القول لم يخرج مخرج الإيجاب ؛ إذ ليس عليه أن
[ ص: 333 ] يحج عن أبيه ولا أن يعتمر . ومن الناس من يحتج لإيجاب العمرة بقوله تعالى :
وافعلوا الخير لأنها خير ، فظاهر اللفظ يقتضي إيجاب جميع الخير . وهذا يسقط من وجوه :
أحدها : أنه يحتاج أن يثبت أن فعل العمرة مع اعتقاد وجوبها خير لأن من لا يراها واجبة فغير جائز أن يفعلها على أنها واجبة ، ولو فعلها على هذا الاعتقاد لم يكن ذلك خيرا ، كمن صلى تطوعا واعتقد فيه الفرض . وآخر : وهو أن قوله :
وافعلوا الخير لفظ مجمل لاشتماله على المجمل الذي لا يلزم استعماله بورود اللفظ ، ألا ترى أنه يدخل فيه الصلاة والزكاة والصوم وهذه كلها فروض مجملة ؟ ومتى انتظم اللفظ ما هو مجمل فهو مجمل يحتاج في إثبات حكمه إلى دليل من غيره . ووجه آخر : وهو أن الخير بالألف واللام لفظ جنس لا يمكن استغراقه ، فيتناول أدنى ما يقع عليه الاسم كقولك : " إن شربت الماء وتزوجت النساء " فإذا فعل أدنى ما يسمى به فقد قضى عهدة اللفظ . وأيضا فقد علمنا مع ورود اللفظ أن المراد البعض لتعذر استيعاب الكل ، فصار كقوله : " افعلوا بعض الخير " فيحتاج إلى بيان في لزوم الأمر واحتج من أوجبها بأنا لم نجد شيئا يتطوع به إلا وله أصل في الفرض ، فلو كانت العمرة تطوعا لكان لها أصل في الفرض . فيقال له : العمرة إنما هي الطواف والسعي ولذلك أصل في الفرض .
فإن قيل : لا يوجد طواف وسعي مفردا فرضا غير العمرة ، وإنما يوجد ذلك في الفرض تابعا . قيل له : قد يتطوع بالطواف بالبيت وإن لم يكن له أصل في الفرض مفردا ، فكذلك العمرة يتطوع بها إذا كانت طوافا وسعيا وإن لم يكن لها أصل في الفرض واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي بأنه لما جاز الجمع بينها وبين الحج دل على أنها فرض ؛ لأنها لو كانت تطوعا ما جاز أن يعمل مع عمل الحج ، كما لا يجمع بين صلاتين إحداهما فرض والأخرى تطوع ويجمع بين عمل أربع ركعات فرض . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11943أبو بكر : وهذه قضية فاسدة يبطل عليه القول بوجوب العمرة لأنه يقال له : لما جاز الجمع بينهما ولم يجز بين صلاتي فرض دل على أنها ليست بفرض ؛ وأما قوله : " ويجمع بين عمل أربع ركعات " فإن الأربع كلها صلاة واحدة كالحج الواحد المشتمل على سائر أركانه كالطواف الواحد المشتمل على سبعة أشواط ، وهو مع ذلك منتقض على أصله لأنه لو اعتمر ثم حج حجة الفريضة وقرن معها عمرة كانت العمرة تطوعا والحج فرضا فقد صح الجمع بين الفرض والنفل في الحج والعمرة ، فانتقض بذلك استدلال من استدل بجواز جمعها إلى الحج على وجوبها . واحتج
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أيضا بأنه لما جعل لها ميقات كميقات
[ ص: 334 ] الحج دل على أنها فرض فيقال له : إذا اعتمر عمرة الفريضة ورجع إلى أهله ثم أراد أن يرجع للعمرة كان لها ميقات كميقات الحج وهي تطوع ، فشرط الميقات ليس بدلالة على الوجوب ، وكذلك الحج التطوع له ميقات كميقات الواجب . واحتج أيضا بوجوب الدم على القارن ولم يبين منه وجه الدلالة على الوجوب ، ولكن ادعى دعوى عارية من البرهان ؛ ومع ذلك فإنه منتقض ؛ لأنه لو قرن حجة فريضة مع عمرة تطوع لكان عليه دم ، فكذلك لو جمع بينهما وهما نافلتان لوجب الدم .