باب
المحصر أين يذبح الهدي قال الله تعالى :
ولا تحلقوا رءوسكم حتى يبلغ الهدي محله واختلف
السلف في المحل ما هو ، فقال
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء nindex.php?page=showalam&ids=16248وطاوس nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن nindex.php?page=showalam&ids=16972وابن سيرين : " هو
الحرم " وهو قول أصحابنا
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : " محله الموضع الذي أحصر
[ ص: 340 ] فيه فيذبحه ويحل " . والدليل على صحة القول الأول أن المحل اسم لشيئين : يحتمل أن يراد به الوقت ، ويحتمل أن يراد به المكان ؛ ألا ترى أن محل الدين هو وقته الذي تجب المطالبة به ؟ وقال النبي صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=10960لضباعة بنت الزبير :
nindex.php?page=hadith&LINKID=934643اشترطي في الحج وقولي : محلي حيث حبستني فجعل المحل في هذا الموضع اسما للمكان . فلما كان محتملا للأمرين ولم يكن هدي الإحصار في العمرة موقتا عند الجميع وهو لا محالة مراد بالآية ، وجب أن يكون مراده المكان ، فاقتضى ذلك أن لا يحل حتى يبلغ مكانا غير مكان الإحصار ؛ لأنه لو كان موضع الإحصار محلا للهدي لكان بالغا محله بوقوع الإحصار ولأدى ذلك إلى بطلان الغاية المذكورة في الآية ، فدل ذلك على أن المراد بالمحل هو
الحرم ؛ لأن كل من لا يجعل موضع الإحصار محلا للهدي فإنما يجعل المحل
الحرم ، ومن جعل محل الهدي موضع الإحصار أبطل فائدة الآية وأسقط معناها . ومن جهة أخرى ، وهو أن قوله :
وأحلت لكم الأنعام إلا ما يتلى عليكم إلى قوله :
لكم فيها منافع إلى أجل مسمى ثم محلها إلى البيت العتيق ودلالته على صحة قولنا في المحل من وجهين :
أحدهما : عمومه في سائر الهدايا ، والآخر : ما فيه من بيان معنى المحل الذي أجمل ذكره في قوله :
حتى يبلغ الهدي محله فإذا كان الله قد جعل المحل البيت العتيق ، فغير جائز لأحد أن يجعل المحل غيره . ويدل عليه قوله في جزاء الصيد :
هديا بالغ الكعبة فجعل بلوغ
الكعبة من صفات الهدي ، فلا يجوز شيء منه دون وجوده فيه . كما أنه لما قال في الظهار وفي القتل :
فصيام شهرين متتابعين فقيدهما بفعل التتابع ، لم يجز فعلهما إلا على هذا الوجه . وكذلك قوله :
فتحرير رقبة مؤمنة لا يجوز إلا على الصفة المشروطة . وكذلك قال أصحابنا في سائر الهدايا التي تذبح : إنها لا تجوز إلا في
الحرم . ويدل عليه أيضا قوله في سياق الخطاب بعد ذكر الإحصار :
فمن كان منكم مريضا أو به أذى من رأسه ففدية من صيام أو صدقة أو نسك فأوجب على المحصر دما ونهاه عن الحلق حتى يذبح هديه ، فلو كان ذبحه في الحل جائزا لذبح صاحب الأذى هديه عن الإحصار وحل به واستغنى عن فدية الأذى ، فدل ذلك على أن الحل ليس بمحل الهدي . فإن قيل : هذا فيمن لا يجد هدي الإحصار . قيل له : لا يجوز أن يكون ذلك خطابا فيمن لا يجد الدم ؛ لأنه خيره بين الصيام والصدقة والنسك ، ولا يكون مخيرا بين الأشياء الثلاثة إلا وهو واجد لها ؛ لأنه لا يجوز التخيير بين ما يجد وبين ما لا يجد ، فثبت بذلك أن محل الهدي هو
[ ص: 341 ] الحرم دون محل الإحصار . ومن جهة النظر ، لما اتفقوا في جزاء الصيد أن محله
الحرم وأنه لا يجزي في غيره ، وجب أن يكون كذلك حكم كل دم تعلق وجوبه بالإحرام ، والمعنى الجامع بينهما تعلق وجوبهما بالإحرام .
فإن قيل : قال الله تعالى
هم الذين كفروا وصدوكم عن المسجد الحرام والهدي معكوفا أن يبلغ محله وذلك في شأن
الحديبية ، وفيه دلالة على أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه نحروا هديهم في غير
الحرم ، لولا ذلك لكان بالغا محله . قيل له : هذا من أدل شيء على أن محله
الحرم ؛ لأنه لو كان موضع الإحصار هو الحل محلا للهدي لما قال :
والهدي معكوفا أن يبلغ محله فلما أخبر عن منعهم الهدي عن بلوغ محله دل ذلك على أن الحل ليس بمحل له ؛ وهذا يصلح أن يكون ابتداء دليل في المسألة .
فإن قيل : فإن لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ذبحوا الهدي في الحل ، فما معنى قوله :
والهدي معكوفا أن يبلغ محله ؟ قيل له : لما حصل أدنى منع جاز أن يقال إنهم منعوا ، وليس يقتضي ذلك أن يكون أبدا ممنوعا ؛ ألا ترى أن رجلا لو منع رجلا حقة جاز أن يقال : منعه حقه كما يقال حبسه ، ولا يقتضي ذلك أن يكون أبدا محبوسا ؟ فلما كان المشركون منعوا الهدي بديا من الوصول إلى
الحرم جاء إطلاق الاسم عليهم بأنهم منعوا الهدي عن بلوغ محله وإن أطلقوا بعد ذلك ؛ ألا ترى أنه قد وصف المشركين بصد المسلمين عن
المسجد الحرام وإن كانوا قد أطلقوا لهم بعد ذلك الوصول إليه في العام القابل ، وقال الله عز وجل :
قالوا يا أبانا منع منا الكيل وإنما منعوه في وقت وأطلقوه في وقت آخر ؟ فكذلك منعوا الهدي بديا ، ثم لما وقع الصلح بين النبي صلى الله عليه وسلم وبينهم أطلقوه حتى ذبحه في
الحرم . وقيل : إن النبي صلى الله عليه وسلم ساق البدن ليذبحها بعد الطواف بالبيت ، فلما منعوه من ذلك قال الله تعالى :
والهدي معكوفا أن يبلغ محله لقصوره عن الوقت المقصود فيه ذبحه . ويحتمل أن يريد به المحل المستحب فيه الذبح ، وهو عند
المروة أو
بمنى ، فلما منع ذلك أطلق ما فيه ما وصفت . وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=83المسور بن مخرمة nindex.php?page=showalam&ids=17065ومروان بن الحكم أن
الحديبية بعضها في الحل وبعضها في الحرم ،
وأن مضرب النبي صلى الله عليه وسلم كان في الحل ومصلاه كان في الحرم ، فإذا أمكنه أن يصلي في
الحرم فلا محالة قد كان الذبح ممكنا فيه . وقد روي أن
ناجية بن جندب الأسلمي قال للنبي صلى الله عليه وسلم :
ابعث معي الهدي حتى آخذ به في الشعاب والأودية فأذبحها بمكة ، ففعل . وجائز أن يكون بعث معه بعضه ونحر هو بعضه في
الحرم ، والله أعلم .
[ ص: 342 ]