فصل : في الحنث في اليمين
ويحتج
من يوجب على من عقد نذره بشرط كفارة يمين دون المنذور ، مثل قوله : " إن دخلت الدار فلله علي حجة أو عتق رقبة " أو نحو ذلك ، فحنث بظاهر قوله تعالى :
ولكن يؤاخذكم بما عقدتم الأيمان فكفارته وبقوله تعالى :
ذلك كفارة أيمانكم إذا حلفتم قال : فلما كان هذا حالفا وجب أن يكون الواجب عليه بالحنث كفارة اليمين دون
[ ص: 116 ] المنذور بعينه . وليس هذا كما ظن هذا القائل ؛ وذلك لأن النذر يوجب الوفاء بالمنذور بعينه وله أصل غير اليمين ، لقوله تعالى :
وأوفوا بعهد الله إذا عاهدتم وقال تعالى :
يوفون بالنذر وقال تعالى :
أوفوا بالعقود وقال تعالى :
ومنهم من عاهد الله لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون فذمهم تعالى على ترك الوفاء بنفس المنذور .
وقال النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=678632من نذر نذرا لم يسمه فعليه كفارة يمين ومن نذر نذرا سماه فعليه الوفاء به وكان قوله تعالى :
ذلك كفارة أيمانكم في اليمين المعقودة بالله عز وجل ، وكانت النذور محمولة على الأصول الأخر التي ذكرنا في لزوم الوفاء بها . قوله تعالى :
واحفظوا أيمانكم فقال قائلون : معناه احفظوا أنفسكم من الحنث فيها واحذروا الحنث فيها وإن لم يكن الحنث معصية . وقال آخرون : أقلوا من الأيمان ، على نحو قوله تعالى :
ولا تجعلوا الله عرضة لأيمانكم واستشهد من قال ذلك بقول الشاعر :
قليل الألايا حافظ ليمينه إذا بدرت منه الألية برت
وقال آخرون : معناه راعوها لكي تؤدوا الكفارة عند الحنث فيها ؛ لأن حفظ الشيء هو مراعاته ؛ وهذا هو الصحيح ، فأما الأول فلا معنى له لأنه غير منهي عن الحنث إذا لم يكن ذلك الفعل معصية ، وقد قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=660123من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الذي هو خير وليكفر عن يمينه فأمره بالحنث فيها ؛ وقد قال الله تعالى :
ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين والمهاجرين في سبيل الله وليعفوا وليصفحوا الآية ؛ روي أنها نزلت في شأن
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطح بن أثاثة حين حلف
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر الصديق رضي الله عنه أن لا ينفق عليه لما كان منه من الخوض في أمر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ، وقد كان ينفق عليه وكان ذا قرابة منه ، فأمره الله تعالى بالحنث في يمينه والرجوع إلى الإنفاق عليه ، ففعل ذلك
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر .
وأمر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله :
يا أيها النبي لم تحرم ما أحل الله لك إلى قوله :
قد فرض الله لكم تحلة أيمانكم بالكفارة والرجوع عما حرم على نفسه . فثبت بذلك أنه غير منهي عن الحنث في اليمين إذا لم يكن الفعل معصية ، فغير جائز أن يكون معنى قوله :
واحفظوا أيمانكم نهيا عن الحنث . وأما من قال : إن معناه النهي عن الحلف واستشهد بالبيت ؛ فقوله مرذول ساقط ؛ لأنه غير جائز أن يكون الأمر بحفظ اليمين نهيا عن اليمين ، كما لا يجوز أن يقال : " احفظ مالك " بمعنى أن لا تكسبه ؛ ومعنى البيت هو على ما نقوله مراعاة
[ ص: 117 ] الحنث لأداء الكفارة ؛ لأنه قال
" قليل الألايا حافظ ليمينه
" فأخبر بديا بقلة أيمانه ، ثم قال : " حافظ ليمينه " ومعناه أنه مراع لها ليؤدي كفارتها عند الحنث ؛ ولو كان على ما قال المخالف لكان تكرارا لما قد ذكر ، فصح أن معناه الأمر بمراعاتها لأداء كفارتها عند الحنث .