وقوله تعالى :
وآخرون اعترفوا بذنوبهم خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم والاعتراف الإقرار بالشيء عن معرفة ؛ لأن الإقرار من قر الشيء إذا ثبت ، والاعتراف من المعرفة وإنما ذكر الاعتراف بالخطيئة عند التوبة ؛ لأن تذكر قبح الذنب أدعى إلى إخلاص التوبة منه وأبعد من حال من يدعى إلى التوبة ممن لا يدري ما هو ولا يعرف موقعه من الضرر ، فأصح ما يكون من التوبة أن تقع مع الاعتراف بالذنب ولذلك حكى الله تعالى عن
آدم وحواء عند توبتهما :
ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين
وإنما قال :
عسى الله أن يتوب عليهم ليكونوا بين الطمع ، والإشفاق فيكونوا أبعد من الاتكال ، والإهمال وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : " عسى " من الله واجب . وفي هذه الآية دلالة على أن
المذنب لا يجوز له اليأس من التوبة ، وإنما يعرض ما دام يعمل مع الشر خيرا لقوله تعالى :
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا وأنه متى كان للمذنب رجوع إلى الله في فعل الخير ، وإن كان مقيما على الذنب أنه مرجو الصلاح مأمون خير العاقبة ، وقال الله تعالى :
ولا تيأسوا من روح الله إنه لا ييأس من روح الله إلا القوم الكافرون
فالعبد ، وإن عظمت ذنوبه فغير جائز له الانصراف عن الخير يائسا من قبول توبته ؛ لأن التوبة
[ ص: 355 ] مقبولة ما بقي في حال التكليف ، فأما من عظمت ذنوبه وكثرت مظالمه وموبقاته فأعرض عن فعل الخير والرجوع إلى الله تعالى يائسا من قبول توبته فإنه يوشك أن يكون ممن قال الله عز وجل :
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون
وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=35الحسن بن علي قال
لحبيب بن مسلمة الفهري وكان من أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية : رب مسير لك في غير طاعة الله فقال : أما مسيري إلى أبيك فلا فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن : بلى ، ولكنك اتبعت
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية على عرض من الدنيا يسير والله لئن قام بك
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية في دنياك قد قعد بك في دينك ولو كنت إذ فعلت شرا قلت خيرا كنت ممن قال الله :
خلطوا عملا صالحا وآخر سيئا عسى الله أن يتوب عليهم ولكنك أنت ممن قال الله :
كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون وهذه الآية نزلت في نفر تخلفوا عن
تبوك
، قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كانوا عشرة فيهم
أبو لبابة بن عبد المنذر ، فربط سبعة منهم أنفسهم بسواري المسجد إلى أن نزلت توبتهم . وقيل : سبعة فيهم
أبو لبابة .