ولما ذكر - تعالى - تفرده بالخلق والأمر المقتضي لتفرده بالعبادة للتوجيه إلى تحصيل المعارف النفسانية والعلوم الحقيقية - أمر بهذا المقتضى اللائق بتلك المعارف ، وهو الدعاء الذي هو مخ العبادة فقال :
ادعوا ربكم أي : الدائم الإحسان إليكم دعاء عبادة وخضوع
تضرعا أي : تذللا
[ ص: 419 ] ظاهرا
وخفية أي : وتذللا باطنا ، وقد أثنى على عبده
زكريا - عليه السلام - فقال :
إذ نادى ربه نداء خفيا أي : اجمعوا إلى خضوع الظاهر خضوع الباطن ، أي : أخلصوا له العبادة ، إنه يحب المخلصين لأن تفرده بأن يدعى هو اللائق بمقام عز الربوبية ، والتذلل على هذه الصفة هو اللائق بمقام ذل العبودية ، وهذا هو المقصود من الدعاء لا تحويل العلم الأزلي ، وهو المقصود من جميع العبادات ، فإن العبد لا يدعو إلا وقد استحضر من نفسه الذل والضعف والحاجة ، ومن ربه العلم والقدرة والكفاية ، وهذا هو المقصود من جميع العبادات ؛ فلهذا كان
الدعاء مخ العبادة ، وقد جمع هذا الكلام - على وجازته - كل ما يراد تحقيقه وتحصيله من شرائط الدعاء بحيث إنه لا مزيد عليه ، ومن فعل خلاف ذلك فقد تجاوز الحد ، وإلى ذلك أومأ بتعليله بقوله :
إنه لا يحب المعتدين أي : المجاوزين لما أمروا به في الدعاء وغيره ، قالوا فالمعنى أن من ترك هذا لا يحبه الله ، أي : لا يثيبه البتة ولا يحسن إليه ، فالآية من الاحتباك آخرها يدل على حذف ضده من صدرها ، وصدرها يدل على أنه حذف قبل الآخر : ولا تتركوا الإخلاص تكونوا معتدين .