ثم سبب عن قولهم قوله :
فعقروا الناقة أي : التي جعلها الله لهم آية ، وعبر بالعقر دون النحر لشموله كل سبب لقتلها لأن ابن إسحاق ذكر أنه اجتمع لها ناس منهم ، فرماها أحدهم بسهم وضرب آخر قوائمها بالسيف ونحرها آخر فأطلق اسم السبب على المسبب ، ولكن قوله تعالى :
فنادوا صاحبهم فتعاطى فعقر وقوله
إذ انبعث أشقاها وقوله - صلى الله عليه وسلم -
(انبعث لها رجل عزيز عارم منيع في قومه) قالوا : هو
قدار بن سالف ، جعلت له امرأة من قومه ابنتها إن عقرها ، ففعل فكان
أشقى الأولين ، وأشقى الآخرين :
عبد الرحمن بن ملجم المرادي قاتل
nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب - رضي الله عنه -
[ ص: 448 ] جعلت له
قطام - امرأة من
بني عجل جميلة - نفسها إن قتله ، فالمناسبة بينهما أن كلا منهما ألقى نفسه في المعصية العظمى لأجل شهوة فرجه في زواج امرأة . وقوله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=889420 (أشقى الأولين عاقر الناقة)
يدل على أن عاقرها رجل واحد ، وحينئذ يكون المراد به قطع القوائم ، فحيث جمع أراد الحقيقة والمجاز معا ، وحيث أفرد أراد الحقيقة فقط ، فالتعبير به لأنه الأصل والسبب الأعظم في ذبح الإبل; قال
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي : قال
nindex.php?page=showalam&ids=13696الأزهري : العقر هو قطع عرقوب البعير ، ثم جعل النحر عقرا لأن ناحر البعير يعقره ثم ينحره . انتهى . وكأن هذا إشارة إلى أن المراد بالعقر في كلامه النحر ، ولا ريب في أن أصل العقر في اللغة القطع ، ومادته تدور على ذلك ، عقر النخلة . إذا قطع رأسها فيبست ، والفرس : ضرب قوائمها بالسيف وأكثر ما يستعمل العقر في الفساد ، وأما النحر فيستعمل غالبا في الانتفاع بالمنحور لحما وجلدا وغيرهما ، فلعل التعبير به دون النحر إشارة إلى أنهم لم يقصدوا بنحرها إلا إهلاكها عتوا على الله وعنادا وفعلا للسوء مخالفة لنهي
صالح - عليه السلام - ولا يشكل ذلك بما ورد من أنهم اقتسموا لحمها ؛ لأنه لم يدع أن العقر يلزمه عدم الانتفاع بالمنحور ، وعلى التنزل فهم لم يريدوا بذلك الانتفاع باللحم ، وإنما قصدوا - حيث لم يمكنهم المشاركة جميعا في العقر - أن يشتركوا
[ ص: 449 ] فيما نشأ عنه تعريضا برضاهم به ومشاركتهم فيه بما يمكنهم
وعتوا أي : تجاوزوا الحد في الغلظة والتكبر
عن أمر أي : امتثال أمر
ربهم أي : المحسن إليهم الذي أتاهم على لسان رسوله من تركها
وقالوا زيادة في العتو
يا صالح ائتنا
ولما نزلوا وعيدهم له - حيث لم يؤمنوا به - منزلة الوعد والبشارة ، قالوا :
بما تعدنا استخفافا منهم ومبالغة في التكذيب ، [كأنهم يقولون : نحن على القطع بأنك لا تقدر أن تأتينا بشيء من ذلك ، وإن كنت] صادقا فافعل ولا تؤخره رفقا بنا وشفقة علينا ، فإنا لا نتأذى بذلك ، بل نتلذذ به تلذذ من يلقى الوعد الحسن ، وحاصله التهكم منهم به والإشارة إلى عدم قدرته; وأكدوا ذلك بقولهم بأداة الشك :
إن كنت من المرسلين أي : الذين سمعنا أخبارهم فيما مضى;