الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
                                                                                                                                                                                                                                      صفحة جزء
                                                                                                                                                                                                                                      ثم سبب عن عتوهم قوله : فأخذتهم الرجفة أي : التي كانت عنها أو منها الصيحة ، أخذ من هو في القبضة على غاية من الصغار والحقارة ، ولعل توحيد الدار هنا مع الرجفة في قصة صالح وشعيب - عليهما السلام - في قوله تعالى : فأصبحوا في دارهم أي : مساكنهم ، وجمعها في القصتين مع الصيحة ، في سورة : ( هود ) - عليه السلام - للإشارة إلى عظم الزلزلة والصيحة في الموضعين ، وذلك لأن الزلزلة إذا كانت في شيء واحد كانت أمكن ، فتكون في المقصود من النكال أعظم ، والصيحة من شأنها الانتشار ، فإذا عمت الأماكن المتنائية والديار المتباعدة فأهلكت أهلها ومزقت [ ص: 450 ] جماعتها وفرقت شملها -كانت من القوة المفرطة والشدة البالغة بحيث تنزعج من تأمل وصفها النفوس وتجب لها القلوب ، وحاصله أنه حيث عبر بالرجفة وحد الدار ؛ إشارة إلى شدة العذاب بعظم الاضطراب ، وحيث عبر بالصيحة جمع ؛ إيماء إلى عموم الموت بشدة الصوت ، ولا مخالفة لأن عذابهم كان بكل منها ، ولعل إحداهما كانت سببا للأخرى ، ولعل المراد بالرجفة اضطراب القلوب اضطرابا قطعها ، أو أن الدار رجفت فرجفت القلوب وهو أقرب ، وخصت الأعراف بما ذكر فيها ؛ لأن مقصودها إنذار المعرضين ، والرجفة أعظم قرعا لعدم الإلف لها - والله أعلم جاثمين أي : باركين على ركبهم لازمين أماكنهم لا حراك بأحد منهم ، ولم يبق منهم في تلك الساعة أحد إلا رجل واحد كان في الحرم ، فلما خرج منه أصابه ما أصاب قومه وهو أبو رغال ، ومسافة الحرم عن أرضهم تزيد على مسيرة عشرة أيام ، ومن الآيات العظيمة أن ذلك الذي خلع قلوبهم وأزال أرواحهم لم يؤثر في صالح - عليه السلام - والمستضعفين معه شيئا ، وذلك مثل الريح التي زلزلت الأحزاب ، وأنالتهم أشد العذاب ، ورمتهم بالحجارة والتراب حتى هزمتهم وما نال النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه منها كبير أذى ، وكفها الله عن [ ص: 451 ] حذيفة ، وكذا البرد الذي كان ذلك زمانه لما أرسله النبي - صلى الله عليه وسلم - ليتعرف له أخبارهم .

                                                                                                                                                                                                                                      التالي السابق


                                                                                                                                                                                                                                      الخدمات العلمية