ولما كانت ترجمة ما مضى من قسم الراجي والمجاهد والعامل للصالح : فمن الناس - كما أشير إليه - من يؤمن بالله ، فإذا أوذي في الله صبر واحتسب انتظارا للجزاء من العلي الأعلى ، ولكنه حذف من كل جملة ما دل عليه بما ذكر في الأخرى ، عطف عليه :
ومن الناس أي : المذبذبين
من يقول أي : بلسانه دون طمأنينة من قلبه :
آمنا بالله أي : الذي اختص بصفات الكمال ، وأشار بعد الإيماء
[ ص: 398 ] إلى كثرة هذا الصنف بالإسناد إلى ضمير الجمع - إلى أن الأذى في هذه الدار ضربة لازب لابد منه ، بقوله بأداة التحقيق :
فإذا أوذي أي : فتنة له واختبارا من أي مؤذ كان
في الله أي : بسبب كونه في سبيل [الله] الذي لا يدانيه في عظمته وجميع صفاته شيء ، ببلاء يسلط به عباده عليه
جعل أي : ذلك الذي ادعى الإيمان
فتنة الناس أي : له بما يصيبه من أذاهم في جسده الذي إذا مات انقطع أذاهم عنه
كعذاب الله أي : المحيط بكل شيء ، فلا يرجى الانفكاك منه ، فيصرف المعذب بعد الشماخة والكبر إلى الخضوع والذل ، لأنه لا كفؤ له ولا مجير عليه ، فلا يطاق عذابه ، لأنه على كل من الروح والجسد ، لا يمكن مفارقته لهما ولا لواحد منهما بموت ولا بحياة إلا بإرادته حتى يكون عمل هذا المعذب عند عذاب الناس له الطاعة لهم في جميع ما يأمرون به ظاهرا وباطنا ، فيتبين حينئذ أنه كان كاذبا في دعوى الإيمان ، وقصر الرجاء على الملك الديان ، وأشار إلى أن الفتنة ربما استمرت إلى الممات وطال زمنها بالتعبير بأداة الشك ، وأكد لاستبعاد كل سامع أن يقع من أحد بهت في قوله :
ولئن جاء نصر أي : لحزب الله الثابتي الإيمان.
ولما كان
الإحسان منه إنما هو محض امتنان ، فلا يجب عليه لأحد
[ ص: 399 ] شيء ، عبر بما يدل على ذلك مشيرا إلى أنه يفعله لأجله صلى الله عليه وسلم فقال :
من ربك أي : المحسن إليك بنصر أهل دينك ، تصديقا لوعدك لهم ، وإدخالا للسرور عليك ،
ولما كانت هذه الحالة رخاء ، عبر بضمير الجمع إشارة إلى نحو قول الشاعر :
وما أكثر الإخوان حين تعدهم ولكنهم في النائبات قليل
فقال :
ليقولن أي : هؤلاء الذين لم يصبروا ، خداعا للمؤمنين خوفا ورجاء وعبر في حالة الشدة بالإفراد لئلا يتوهم أن الجمع قيد ، وجمع هنا دلالة على أنهم لا يستحيون من الكذب ولو على رؤوس الأشهاد ، وأكدوا لعلمهم أن قولهم ينكر لأنهم كاذبون فقالوا :
إنا كنا معكم أي : لم نزايلكم بقلوبنا وإن أطعنا أولئك بألسنتنا.
ولما كان التقدير : أليس أولياؤنا المتفرسون بأحوالهم عالمين؟ عطف عليه منكرا قوله :
أوليس الله المحيط بعلم الباطن كما هو محيط بعلم الظاهر
بأعلم بما في صدور العالمين أي : كلهم ، منهم فلا يخفى عليه شيء من ذلك إخلاصا كان أو نفاقا ، بل هو أعلم من أصحاب الصدور بذلك.