ولما
كان صلى الله عليه وسلم شديد الإرادة لإقبالهم يكاد يقتل نفسه أسفا على إدبارهم، وكان هذا الزجر الذي لا يسمعه من له أدنى
[ ص: 433 ] عقل إلا خلع قلبه فرجع عن غيه وراجع رشده قد تلا عليهم فلم ينتفعوا به، فكان كأنه قيل: إن هؤلاء لصم عمي محيط بهم الضلال إحاطة لا يكادون ينفكون عنه من كل جانب، فلا وصول لأحد إلى إسماعهم ولا تبصيرهم ولا هدايتهم، قال بانيا عليه مسببا عنه تخفيفا على النبي صلى الله عليه وسلم فيما يقاسي من الكرب في المبالغة في إبلاغهم حرصا على إقبالهم والغم من إعراضهم بهمزة الإنكار الدالة على نفي ما سيقت له:
أفأنت أي وحدك من غير إرادة الله تعالى
تسمع الصم وقد أصممناهم بما صببنا في مسامع أفهامهم من رصاص الشقاء
أو تهدي العمي الذين أعميناهم بما غشينا به أبصار بصائرهم من أغشية البلادة والخسارة، فصار ما اختاروه لأنفسهم من العشى عمى مقرونا بصممهم
ومن كان أي جبلة وطبعا
في ضلال مبين أي بين في نفسه أنه ضال وأنه محيط بالضلال مظهر لكل أحد ذلك، فهو بحيث لا يخفى على أحد، فالمعنى: ليس شيء من ذلك إليك، بل هو إلى الله القادر على كل شيء، وأما أنت فليس عليك إلا البلاغ.