ولما ثبت بهذا النظر الصافي ربوبيته، وبعدم اختلال التدبير على طول الزمان وحدانيته، وبعدم الجري على نظام واحد من كل وجه فعله بالاختيار وقدرته، صرح بذلك منبها لهم على أن النظر الصحيح أنتج ذلك ولا بد فقال تعالى:
لا إله إلا هو [أي] وإلا لنازعه في أمرهما أو بعضه منازع، أو أمكن أن ينازع فيكون محتاجا لا محالة، وإلا لدفع عنه من يمكن نزعه له وخلافه إياه، فلا يكون صالحا للتدبير والقهر لكل من يخالف رسله والإيحاء لكل من يوافقهم على مر الزمان وتطاول الدهر ومد الحدثان على نظام مستمر، وحال ثابت مستقر.
[ ص: 11 ] ولما ثبت أنه
لا مدبر للوجود غيره، ثبت قوله تعالى:
يحيي ويميت لأن ذلك من أجل ما فيهما من التدبير، وهو تنبيه على تمام دليل الوحدانية لأنه لا شيء ممن فيهما يبقى ليسند التدبير إليه، ويحال شيء من الأمور عليه، فهما جملتان: الأولى نافية لما أثبتوه من الشركة، والثانية مثبتة لما نفوه من البعث.
ولما ثبت أنه المختص بالإفاضة والسلب، وكان السلب أدل على القهر، ذكرهم ما لهم من ذلك في أنفسهم فقال سبحانه:
ربكم أي: الذي أفاض عليكم ما تشاهدون من النعم في الأرواح وغيرها
ورب آبائكم ولما كانوا يشاهدون من ربوبيته لأقرب آبائهم ما يشاهدون لأنفسهم، رقى نظرهم إلى النهاية فقال:
الأولين أي: الذين أفاض عليهم ما أفاض عليكم ثم سلبهم ذلك كما تعلمون، فلم يقدر أحد منهم على ممانعة ولا طمع في منازعة بنوع مدافعة.