ولما كان الإعراض عنه مع ما له من العظمة بالبيان استخفافا به وبمن جاء من بعده، أشار إلى ذلك بأداة التراخي فقال:
ثم أي: بعد ما له من علي الرتبة في نفسه وبالإضافة إلى من أرسله. ولما كانت الفطر الأولى داعية إلى الإقبال على الحق، نازعة إلى الانقطاع إلى الله والعكوف ببابه، واللجاء إلى جنابه، إلا بجهد من النفس في النفور وعلاج دواعي الثبور، أشار إلى ذلك بالتعبير بصيغة التفعل فقال:
تولوا عنه أي: أطاعوا ما دعاهم إلى الإدبار عنه من دواعي الهوى ونوازع الشهوات والحظوظ
وقالوا أي: زيادة على إساءتهم بالتولي:
معلم أي: علمه غيره من البشر
مجنون فلم يبالوا بالتناقض البين الأمر، وهذا يدل على أن من لا يبالي بعرضه ولا حياء له لا طيب لدائه لأنه لا وجود لدوائه، وأنه إذا مس بما يلينه ويرده ويهينه لا يؤمن [من] رجوعه إلى الحال السيئ عند كشف ذلك
[ ص: 17 ] الضر عنه.