ولما قدم سبحانه في هذه السورة ما للقرآن من البركة بما اشتمل عليه من البشارة والندارة والجمع والفرق، وذكرهم بما يقرون به من
[ ص: 55 ] أنه مبدع هذا الكون مما يستلزم إقرارهم بتوحيده المستلزم لأنه يفعل ما يشاء من إرسال وإنزال وتنبيه وبعث وغير ذلك، وهددهم بما لا يقدر عليه غيره من الدخان والبطشة، وفعل بعض ذلك، وذكرهم بما يعرفون من أخبار من مضى من قروم القرون وأنهم مع ذلك كله أنكروا البعث، ثم ذكر ما يقتضي التحذير والتبشير - كل ذلك في أساليب فأتت كل المدى، فأعجزت جميع القوى، مع ما لها من المعاني الباهرة، والبدائع الزاهرة القاهرة، سبب عن قوله فذلكة للسورة:
فإنما يسرناه أي: جعلنا له يسرا عظيما وسهولة كبيرة.
ولما كان الإنسان كلما زادت فصاحته وعظمت بلاغته، كان كلامه أبين، وقوله أعذب وأرصن وأرشق وأمتن، وكان صلى الله عليه وسلم أفصح الناس وأبعدهم لذلك من التكلف، أضافه إليه فقط فقال:
بلسانك أي: هذا العربي المبين وهم عرب تعجبهم الفصاحة
لعلهم يتذكرون أي: ليكونوا عند من يراهم وهو عارف بلسانهم ممن شأنه كشأنهم على رجاء من أن يتذكروا أن هذا القرآن شاهد
[ ص: 56 ] بإعجازه بصحة ما فيه من التوحيد والرسالة وغيرهما مما سبق إليك وجلى عليك وإلا لقدروا هم وهم أفصح الناس على معارضة شيء منه فيتذكروا ما غفلوا عنه من أنه عزيز بإهلاكه الجبابرة، وأنه حكيم بنصبه الآيات لأنبيائه وتأييدهم بالمعجزات، ومن أن الكبير منهم لا يرضى أن يطعن أحد في كبريائه ولا أن يترك من له عليه حكم وهو تحت قهره أن يبغي بعضهم على بعض ثم لا ينصر المظلوم منهم على ظالمه ويأخذ بيده حتى لا يستوي المحسن بالمسيء، فإذا تذكروا ذلك مع ما يعرفون من قدرة الملك وكبريائه وحكمته علموا قطعا أنه لا بد من البعث للتمييز بين أهل الصلاح والفساد، والفصل بين جميع العباد، فتسبب عن ذلك قوله:
فارتقب أي: ما رجيتك به من تذكرهم المستلزم لهدايتهم.