ولما كانوا ربما استبعدوا الخسفة، وكانوا يعهدون ما ينزل من السماء من الندى والأمطار والصواعق، عادل بذلك قوله:
أم أمنتم أي أيها المكذبون، وكرر لهم ذكر ما يخشونه زيادة في الترهيب فقال:
من في السماء على التقديرين
أن يرسل عليكم أي من السماء
حاصبا أي [ حجارة -] يحصبكم - أي يرميكم - بها مع ريح عاصف بقوتها كما وقع لقوم لوط وأصحاب الفيل.
ولما كان هذا الكلام إنذارا عظيما ووعظا بليغا شديدا، وكان حالهم عنده مترددا بين إقبال وإدبار، سبب عنه على تقدير إدبارهم بتماديهم بما للإنسان من النقصان قوله متوعدا بما يقطع القلوب، ولفت القول إلى مقام التكلم إيذانا بتشديد الغضب:
فستعلمون أي عن قريب بوعد لا خلف فيه في الدنيا ثم في الآخرة.
ولما كان العلم بكيفية الشيء أعظم من العلم بمطلق ذلك الشيء لأنه يلزم من العلم بها العلم بمطلق ذلك الشيء، وكان ما هو
[ ص: 250 ] بحيث يسأل عنه لا يكون إلا عظيما قال:
كيف نذير أي إنذاري البليغ إذا شاهدتم العذاب وهو بحيث لا يستطاع، ولا تتعلق الأطماع بكشف له ولا دفاع، وحذف الياء منه [و -] من "نكير" إشارة إلى أنه وإن كان خارجا عن الطرق ليس منتهى مقدوره بل لديه مزيد، لا غاية له بوجه ولا تحديد.