[ ص: 393 ] ولما نهاه عن الخصام لمطلق الخائن؛ وهو من وقعت منه خيانة ما; أتبعه النهي عن المجادلة عمن تعمد الخيانة؛ فقال - سبحانه وتعالى -:
ولا تجادل ؛ أي: في وقت ما؛
عن الذين يختانون ؛ أي: يتجدد منهم تعمد أن يخونوا؛
أنفسهم ؛ بأن يوقعوها في الهلكة؛ بالعصيان فيما ائتمنوا عليه من الأمور الخفية؛ والتعبير بالجمع - مع أن الذي نزلت فيه الآية واحد - للتعميم؛ وتهديد من أعانه من قومه؛ ويجوز أن يكون أشار بصيغة الافتعال إلى أن الخيانة لا تقع إلا مكررة؛ فإنه يعزم عليها أولا؛ ثم يفعلها؛ فأدنى لذلك أن يكون قد خان من نفسه مرتين؛ قال
الإمام ما معناه أن التهديد في هذه الآية عظيم جدا؛ وذلك أنه - سبحانه وتعالى - عاتب خير الخلق عنده؛ وأكرمهم لديه؛ هذه المعاتبة؛ وما فعل إلا الحق في الظاهر؛ فكيف بمن يعلم الباطن ويساعد أهل الباطل؟ فكيف إن كان بغيرهم؟ ثم أشار - سبحانه وتعالى - إلى أن من خان غيره كان مبالغا في الخيانة بالعزم وخيانة الغير؛ المستلزمة لخيانة النفس؛ فلذا ختمت بالتعليل؛ بقوله:
إن الله ؛ أي: الجليل؛ العظيم؛ ذا الجلال والإكرام؛
لا يحب ؛ أي: لا يكرم؛
من كان [ ص: 394 ] خوانا أثيما ؛ بصيغتي المبالغة - على أن مراتب المبالغين في الخيانة متفاوتة -؛ وفيه مع هذا استعطاف لمن وقعت منه الخيانة مرة واحدة؛ وقدم - سبحانه وتعالى - ذلك؛ لأن فيه دفعا للضر عن البريء؛ وجلبا للنفع إليه;