ولما ذكر (تعالى) حكمهم عند التوبة؛ وختم الآية بما يناسب من الغفران؛ والرحمة؛ وكان ذلك ربما كان جزاء من لم يرسخ قدمه في الدين؛ على جنابه المتعالي؛ أتبع ذلك الأمر بالتقوى؛ وجهاد كل من أفسد بقطع الطريق؛ أو الكفر؛ أو غيره؛ فقال على وجه الاستنتاج مما قبله:
يا أيها الذين آمنوا ؛ أي: وجد منهم الإقرار بالإيمان؛
اتقوا الله ؛ أي: اجعلوا بينكم وبين ما سمعتم من وعيده للمفسدين وقاية؛ تصديقا لما أقررتم به؛ لما له - سبحانه - من العظمة التي هي جديرة بأن تخشى؛ وترجى؛ لجمعها الجلال والإكرام.
ولما كانت مجامع التكليف منحصرة في تخل من فضائح المنهيات؛ وتحل بملابس المأمورات؛ وقدم الأول لأنه من درء المفاسد؛ أتبعه الثاني؛ فقال:
وابتغوا ؛ أي: اطلبوا طلبا شديدا؛
إليه ؛ أي: خاصة؛
الوسيلة ؛ أي: التقريب بكل ما يوصل إليه؛ من طاعته؛ ولا تيأسوا؛ وإن عظمت ذنوبكم؛ لأنه غفور رحيم.
ولما كان - سبحانه - قد قدم أوامر؛ ونواهي؛ وكان الاستقراء
[ ص: 132 ] قد أبان الناس عند الأمر والنهي؛ بين مقبل ومعرض؛ وكان قد أمر المقبل بجهاد المعرض؛ وكان للجهاد - بما له من عظيم النفع؛ وفيه من المشقة - مزيد خصوصية؛ أفرد بالذكر؛ تأكيدا لما مضى منه؛ وإعلاما بأنه للعاصي مطلقا؛ سواء كان بالكفر؛ أو بغيره؛ فقال:
وجاهدوا في سبيله ؛ أي: لتكون كلمته هي العليا؛
لعلكم تفلحون ؛ أي: لتكون حالكم حال من يرجى نيله لكل ما يطلبه؛ وهذا شامل لكل أمر بمعروف؛ ونهي عن منكر؛ في أعلى درجاته؛ وأدناها.