ولما كان أسوأ السوء حقوق العذاب ، وكان حقوقه بعدم قبول التوبة - فسره بقوله مهونا له ومسهلا بتجريد الفعل :
هل ينظرون أي : ما ينتظرون هؤلاء المكذبون أدنى انتظار وأقربه وأيسره
إلا أن تأتيهم [أي : حال تكذيبهم]
الملائكة أي : بالأمر الفيصل من عذابهم
[ ص: 332 ] كما هي عادتها في إتيانها المكذبين
أو يأتي ربك أي : ظهور أمر المحسن إليك أتم ظهور بجميع الآيات التي تحملها العقول وذلك يوم الجزاء
أو يأتي وأبهم تهويلا للأمر وتعظيما ، فقال :
بعض آيات ربك أي :
أشراط الساعة التي يكون فيها ظهوره التام وإحسانه إليك الأعظم مثل دابة الأرض التي تميز الكافر من المؤمن وطلوع الشمس من مغربها المؤذن بإغلاق باب التوبة; روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التفسير وغيره ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654269 ( لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها ، فإذا رآها الناس آمن من عليها ، فذلك حين لا ينفع نفسا إيمانها لم تكن آمنت من قبل ) ، ثم قرأ الآية .
ولما كان إتيان الملائكة - أي : كلهم أمرا لا يحتمل العقول وصف عظمته ، ولا بشرى للمجرمين عند رؤيته - فإنه لو وقع على صورتهم لتقطعت أوصالهم ولم يحتمله قواهم فقضي الأمر ثم لا ينظرون ، وأما تجلي الرب – سبحانه - وعز اسمه وجلت عظمته .
فالأمر أعظم من مقالة قائل. إن رقق البلغاء أو إن فخموا
ترك ما يترتب عليه ، وقال :
يوم يأتي [أي : يكشف ويظهر]
بعض آيات ربك أي : المحسن إليك بالإتيان بذلك تصديقا لك وترويعا وتدميرا لمخالفيك
لا ينفع نفسا أي : كافرة
إيمانها أي : إذ ذاك ، ولا نفسا مؤمنة كسبها الخير إذ ذاك في إيمانها المتقدم على تلك الآية [بالتوبة فما وراءها] ، ولذلك بينه بقوله واصفا نفسا :
لم تكن [ ص: 333 ] أي : الكافرة
آمنت ويسر الأمر ببعض زمان القبل ، ولم يكلف باستغراقه بالإيمان ، فقال :
من قبل أي : قبل مجيء الآية في زمن متصل بمجيئها .
ولما ذكر الكافرة ، أتبعها المؤمنة فقال عاطفا على (آمنت) :
أو لم تكن المؤمنة العاصية
كسبت [أي : من قبل]
في إيمانها أي : السابق على مجيء الآية
خيرا أي : توبة ، وبعبارة أخرى : نفسا كافرة إيمانها المجدد بعد مجيء الآية ، وهو معنى
لم تكن آمنت من قبل أو نفسا مؤمنة كسبها الخير بعد مجيء الآية ما لم تكن كسبت في إيمانها السابق على الآية خيرا ، والحاصل أنه لا يقبل عند ذلك إيمان كافر ولا توبة فاسق - كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=13889البغوي - لأن المقصود من التصديق والتوبة الإيمان بالغيب وقد فات بالآية الملجئة ، فيكون فاعل الفعل المقدر في (كسبت) محذوفا ، والتقدير : لا ينفع نفسا لم تكن آمنت من قبل ، أو لم تكن كسبت في إيمانها خيرا إيمانها وكسبها ، فالإيمان راجع إلى من لم يؤمن ، والكسب راجع إلى من لم يكسب ، وهو ظاهر ، والتهديد بعدم نفع الإيمان عند مجيء الآية أعظم دليل على ما ذكرته من التقدير ، والآية من الاحتباك : ذكر إيمانها أولا دليل على حذف كسـبها من الجملة الثانية ، وذكر جملتي آمنت وكسبت ثانيا دال على حذف كافرة ومؤمنة أولا .
ولما كان هذا تهديدا - كما ترى - هائلا ، أتبعه ما هو أشد منه للتنبيه
[ ص: 334 ] على أن أهل الإيمان سالمون من ذلك بقوله :
قل انتظروا أي : بغاية جهدكم أيها المكذبون
إنا منتظرون بجهدنا ، وستعلمون لمن تكون العاقبة .