آ. (57) قوله :
لا تحسبن : قرأ العامة "لا تحسبن" بتاء الخطاب. والفاعل ضمير المخاطب أي: لا تحسبن أيها المخاطب. ويمتنع أو يبعد جعله للرسول عليه السلام; لأن [669/ب] مثل هذا الحسبان لا يتصور منه حتى ينهى عنه. وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر "لا يحسبن" بياء الغيبة وهي قراءة حسنة واضحة. فإن الفاعل فيها مضمر يعود على ما دل السياق عليه أي: لا يحسبن حاسب - أو أحد- وإما على الرسول لتقدم ذكره. ولكنه ضعيف للمعنى المتقدم خلافا لمن لحن قارئ هذه القراءة
كأبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=11962وأبي جعفر [ ص: 436 ] nindex.php?page=showalam&ids=14888والفراء. قال
nindex.php?page=showalam&ids=12940النحاس: "ما علمت أحدا من أهل العربية بصريا ولا كوفيا إلا وهو يلحن قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة، فمنهم من يقول: هي لحن لأنه لم يأت إلا بمفعول واحد لـ "يحسبن".
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: "هو ضعيف" وأجازه على حذف المفعول الثاني. التقدير: "لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين" قلت: وسبب تلحينهم هذه القراءة أنهم اعتقدوا أن "الذين" فاعل، ولم يكن في اللفظ إلا مفعول واحد وهو "معجزين"، فلذلك قالوا ما قالوا. والجواب عن ذلك من وجوه أحدها: أن الفاعل مضمر يعود على ما تقدم، أو على ما يفهم من السياق، كما سبق تحريره. الثاني: أن المفعول الأول محذوف تقديره: لا يحسبن الذين كفروا أنفسهم معجزين. إلا أن حذف أحد المفعولين ضعيف عند البصريين. ومنه قول
عنترة: 3466 - ولقد نزلت فلا تظني غيره مني بمنزلة المحب المكرم
أي: لا تظني غيره واقعا. ولما نحا
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري إلى هذا الوجه قال: "وأن يكون الأصل: لا يحسبنهم الذين كفروا معجزين، ثم حذف الضمير الذي هو المفعول الأول. وكأن الذي سوغ ذلك أن الفاعل والمفعولين
[ ص: 437 ] لما كانت لشيء واحد اقتنع بذكر اثنين عن ذكر الثالث" فقدر المفعول الأول ضميرا متصلا. قال الشيخ: "وقد رددنا هذا التخريج في أواخر آل عمران في قوله: "لا يحسبن الذين يفرحون بما أتوا" في قراءة من قرأه بالغيبة، وجعل الفاعل "الذين يفرحون". وملخصه: أن هذا ليس من الضمائر التي يفسرها ما بعدها فلا يتقدر "لا يحسبنهم" إذ لا يجوز: "ظنه زيد قائما" على رفع "زيد" بـ "ظنه" قلت: وقد تقدم في الموضع المذكور رد هذا الرد فعليك بالالتفات إليه.
الثالث: أن المفعولين هما قوله:
"معجزين في الأرض" قاله الكوفيون. ولما نحا إليه
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري قال: "والمعنى: لا يحسبن الذين كفروا أحدا يعجز الله في الأرض حتى يطمعوا هم في مثل ذلك. وهذا معنى قوي جيد". قلت: قيل: هو خطأ; لأن الظاهر تعلق في "الأرض" بـ "معجزين" فجعله مفعولا ثانيا كالتهيئة للعمل والقطع عنه، وهو نظير: "ظننت قائما في الدار".
قوله:
"ومأواهم النار" فيه ثلاثة أوجه. أحدها: أن هذه الجملة عطف على جملة النهي قبلها من غير تأويل ولا إضمار، وهو مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16076سيبويه أعني عطف الجمل بعضها على بعض، وإن اختلفت أنواعها خبرا وطلبا وإنشاء. وقد تقدم تحقيقه في أول هذا الموضوع والدليل عليه. الثاني: أنها معطوفة عليها، ولكن بتأويل جملة النهي بجملة خبرية. والتقدير: الذين كفروا لا يفوتون الله ومأواهم النار. قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري. كأنه يرى تناسب الجمل شرطا في العطف. هذا ظاهر حاله. الثالث: أنها معطوفة على جملة مقدرة.
[ ص: 438 ] قال
nindex.php?page=showalam&ids=13990الجرجاني: "لا يحتمل أن يكون " ومأواهم " متصلا بقوله: "لا تحسبن ذاك" أي: وهذا إيجاب فهو إذن معطوف بالواو على مضمر قبله تقديره: لا تحسبن الذين كفروا معجزين في الأرض بل هم مقهورون، ومأواهم النار".