ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين ولو كانوا أولي قربى من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم وما كان استغفار إبراهيم لأبيه إلا عن موعدة وعدها إياه فلما تبين له أنه عدو لله تبرأ منه إن إبراهيم لأواه حليم [ ص: 507 ] قوله تعالى:
ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين في سبب نزولها أربعة أقوال .
أحدها:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653595أن أبا طالب لما حضرته الوفاة، دخل عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعنده أبو جهل، وعبد الله بن أبي أمية، فقال: "أي عم، قل معي: لا إله إلا الله، أحاج لك بها عند الله"، فقال أبو جهل وابن أبي أمية: يا أبا طالب، أترغب عن ملة عبد المطلب؟! فلم يزالا يكلمانه، حتى قال آخر شيء كلمهم به: أنا على ملة عبد المطلب . فقال النبي صلى الله عليه وسلم "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا . الآية، ونزلت إنك لا تهدي من أحببت [القصص:56]، أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم في "الصحيحين" من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب عن أبيه . وقيل:
إنه لما مات أبو طالب، جعل النبي صلى الله عليه وسلم يستغفر له، فقال المسلمون: ما يمنعنا أن نستغفر لآبائنا ولذوي قراباتنا، وقد استغفر إبراهيم لأبيه، وهذا محمد يستغفر لعمه؟ فاستغفروا للمشركين، فنزلت هذه الآية . قال
أبو الحسين بن المنادي: هذا لا يصح، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم لعمه
nindex.php?page=hadith&LINKID=890543 "لأستغفرن لك ما لم أنه عنك" قبل أن يموت،
[ ص: 508 ] وهو في السياق، فأما أن يكون استغفر له بعد الموت، فلا، فانقلب ذلك على الرواة، وبقي على انقلابه .
والثاني:
أن النبي صلى الله عليه وسلم مر بقبر أمه آمنة، فتوضأ وصلى ركعتين، ثم بكى، فبكى الناس لبكائه، ثم انصرف إليهم، فقالوا: ما الذي أبكاك؟ فقال: "مررت بقبر أمي فصليت ركعتين، ثم استأذنت ربي أن أستغفر لها، فنهيت، فبكيت، ثم عدت فصليت ركعتين، واستأذنت ربي أن أستغفر لها، فزجرت زجرا، فأبكاني"، ثم دعا براحلته فركبها; فما سار إلا هنيأة، حتى قامت الناقة لثقل الوحي; فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا والآية التي بعدها، رواه
بريدة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .
والثالث:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665396أن رجلا استغفر لأبويه، وكانا مشركين، فقال له nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب: أتستغفر لهما وهما مشركان؟ فقال: أولم يستغفر إبراهيم لأبيه؟ فذكر ذلك علي للنبي صلى الله عليه وسلم، فنزلت هذه الآية والتي بعدها، رواه
أبو الخليل عن
علي عليه السلام .
والرابع:
أن رجالا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم قالوا: يا نبي الله، إن من آبائنا من كان يحسن الجوار، ويصل الرحم، ويفك العاني، ويوفي بالذمم، أفلا [ ص: 509 ] نستغفر لهم؟ فقال: "بلى، والله لأستغفرن لأبي كما استغفر إبراهيم لأبيه"، فنزلت هذه الآية، وبين عذر إبراهيم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . ومعنى قوله:
من بعد ما تبين لهم أنهم أصحاب الجحيم أي: من بعد ما بان أنهم ماتوا كفارا .
قوله تعالى:
إلا عن موعدة وعدها إياه فيه قولان .
أحدهما: أن إبراهيم وعد أباه الاستغفار، وذلك قوله:
سأستغفر لك ربي [مريم:47]، وما كان يعلم أن
الاستغفار للمشركين محظور حتى أخبره الله بذلك .
والثاني: أن أباه وعده أنه إن استغفر له آمن; فلما تبين
لإبراهيم عداوة أبيه لله تعالى: بموته على الكفر، ترك الدعاء له . فعلى الأول، تكون هاء الكناية في "إياه" عائدة على آزر، وعلى الثاني، تعود على
إبراهيم . وقرأ
ابن السميفع، ومعاذ القارئ، وأبو نهيك: "وعدها أباه" بالباء
وفي الأواه ثمانية أقوال .
أحدها: أنه الخاشع الدعاء المتضرع، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16439عبد الله بن شداد بن الهاد عن النبي صلى الله عليه وسلم .
والثاني: أنه الدعاء، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15916زر عن
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16531عبيد بن عمير .
والثالث: الرحيم، رواه
أبو العبيد بن العامري عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، nindex.php?page=showalam&ids=12171وأبو ميسرة .
والرابع: أنه الموقن، رواه
أبو ظبيان عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=16568وعطاء، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك .
والخامس: أنه المؤمن، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14836العوفي، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد وابن أبي طلحة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . [ ص: 510 ] والسادس: أنه المسبح، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11813أبو إسحاق عن
أبي ميسرة، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=15990سعيد بن المسيب، nindex.php?page=showalam&ids=15992وابن جبير .
والسابع: أنه المتأوه لذكر عذاب الله، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي . قال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: مجاز أواه مجاز فعال من التأوه، ومعناه: متضرع شفقا وفرقا ولزوما لطاعة ربه، قال
المثقب: إذا ما قمت أرحلها بليل تأوه آهة الرجل الحزين
والثامن: أنه الفقيه رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد . فأما الحليم، فهو الصفوح عن الذنوب .