واتبعوا ما تتلو الشياطين على ملك سليمان وما كفر سليمان ولكن الشياطين كفروا يعلمون الناس السحر وما أنـزل على الملكين ببابل هاروت وماروت وما يعلمان من أحد حتى يقولا إنما نحن فتنة فلا تكفر فيتعلمون منهما ما يفرقون به بين المرء وزوجه وما هم بضارين به من أحد إلا بإذن الله ويتعلمون ما يضرهم ولا ينفعهم ولقد علموا لمن اشتراه ما له في الآخرة من خلاق ولبئس ما شروا به أنفسهم لو كانوا يعلمون .
قوله تعالى:
واتبعوا ما تتلو الشياطين .
في سبب نزولها قولان .
أحدهما:
أن اليهود كانوا لا يسألون النبي عن شيء من التوراة إلا أجابهم ، فسألوه عن السحر وخاصموه به ، فنزلت هذه الآية ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبو العالية . والثاني: أنه لما ذكر
سليمان في القرآن قالت يهود
المدينة: ألا تعجبون
لمحمد يزعم أن
ابن داود كان نبيا؟! والله ما كان إلا ساحرا ، فنزلت هذه الآية . قاله
nindex.php?page=showalam&ids=12563ابن إسحاق .
و"تتلوا" بمعنى: تلت ، و"على" بمعنى: في ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=15153المبرد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وقوله:
على ملك سليمان أي: على عهد
سليمان .
وفي
كيفية ما تلت الشياطين على ملك سليمان ستة أقوال .
[ ص: 121 ] أحدها: أنه لما خرج
سليمان عن ملكه; كتبت الشياطين السحر ، ودفنته في مصلاه ، فلما توفي استخرجوه ، وقالوا: بهذا كان يملك الملك ، ذكر هذا المعنى
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
والثاني: أن آصف كان يكتب ما يأمر به
سليمان ، ويدفنه تحت كرسيه ، فلما مات
سليمان استخرجته الشياطين ، فكتبوا بين كل سطرين سحرا وكذبا ، وأضافوه إلى
سليمان ، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس .
والثالث: أن الشياطين كتبت السحر بعد موت
سليمان ، ثم أضافته إليه ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16584عكرمة .
والرابع: أن الشياطين ابتدعت السحر ، فأخذه
سليمان ، فدفنه تحت كرسيه لئلا يتعلمه الناس ، فلما قبض استخرجته ، فعلمته الناس وقالوا: هذا علم
سليمان ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة .
والخامس: أن
سليمان أخذ عهود الدواب ، فكانت الدابة إذا أصابت إنسانا طلب إليها بذلك العهد ، فتخلى عنه ، فزاد السحرة السجع والسحر ، قاله
أبو مجلز .
والسادس: أن الشياطين كانت في عهد
سليمان تسترق السمع ، فتسمع من كلام الملائكة ما يكون في الأرض من موت أو غيث أو أمر ، فيأتون الكهنة فيخبرونهم ، فتحدث الكهنة الناس ، فيجدونه كما قالوا ، حتى إذا أمنتهم الكهنة كذبوا لهم [وأدخلوا فيه غيره ] فزادوا مع كل كلمة سبعين كلمة ، فاكتتب الناس ذلك الحديث في الكتب ، وفشا في بني إسرائيل أن الجن تعلم الغيب ، فبعث
سليمان في الناس ، فجمع تلك الكتب في صندوق ، ثم دفنها تحت كرسيه ، ولم يكن أحد من الشياطين يستطيع أن يدنو من الكرسي إلا احترق [وقال: لا أسمع أحدا يذكر أن الشياطين يعلمون الغيب إلا ضربت عنقه ] ، فلما مات سليمان; جاء شيطان إلى نفر من بني إسرائيل ، فدلهم على تلك الكتب وقال: إنما كان
سليمان يضبط أمر الخلق بهذا ، ففشا في الناس أن
سليمان كان ساحرا ، واتخذ
[ ص: 122 ] بنوا إسرائيل تلك الكتب ، فلما جاء
محمد صلى الله عليه وسلم ، خاصموه بها ، هذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي . وسليمان: اسم عبراني ، وقد تكلمت به
العرب في الجاهلية ، وقد جعله
nindex.php?page=showalam&ids=8572النابغة سليما ضرورة ، فقال:
ونسج سليم كل قضاء ذائل
واضطر
الحطيئة فجعله: سلاما ، فقال:
فيه الرماح وفيه كل سابغة جدلاء محكمة من نسج سلام
وأرادا جميعا:
داود أبا
سليمان ، فلم يستقم لهما الشعر ، فجعلاه: سليمان وغيراه .
كذلك قرأته على شيخنا
أبي منصور اللغوي . وفي قوله:
وما كفر سليمان دليل على كفر الساحر ، لأنهم نسبوا إلى السحر ، لا إلى الكفر .
قوله تعالى:
ولكن الشياطين كفروا .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير ، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع ، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ، nindex.php?page=showalam&ids=16273وعاصم بتشديد نون (ولكن) ونصب نون (الشياطين) . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16447ابن عامر ، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة ، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بتخفيف النون من (لكن) ورفع نون (الشياطين) .
قوله تعالى:
وما أنزل على الملكين وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير nindex.php?page=showalam&ids=12300والزهري (الملكين) بكسر اللام ، وقراءة الجمهور أصح .
وفي "ما" قولان . أحدهما: أنها معطوفة على "ما" الأولى ، فتقديره" واتبعوا ما تتلو الشياطين وما أنزل على الملكين . والثاني: أنها معطوفة على السحر ، فتقديره: يعلمون الناس السحر ، ويعلمونهم ما أنزل على الملكين . فإن قيل: إذا كان السحر نزل على الملكين ، فلماذا كره؟ فالجواب من وجهين ، ذكرهما
ابن السري ، أحدهما: أنهما كانا يعلمان الناس: ما السحر ، ويأمران باجتنابه ، وفي ذلك حكمة; لأن سائلا لو قال: ما الزنا؟ لوجب
[ ص: 123 ] أن يوقف عليه ، ويعلم أنه حرام . والثاني: أنه من الجائز أن يكون الله تعالى امتحن الناس بالملكين ، فمن قبل التعلم كان كافرا ، ومن لم يقبله فهو مؤمن ، كما امتحن بنهر
طالوت .
وفي الذي أنزل على الملكين قولان . أحدهما: أنه السحر ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن ، nindex.php?page=showalam&ids=16327وابن زيد . والثاني: أنه التفرقة بين المرء وزوجه ، لا السحر ، روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة ، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس كالقولين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: وهذا من باب السحر أيضا .
الإشارة إلى قصة الملكين .
ذكر العلماء أن الملكين إنما أنزلا إلى الأرض لسبب ، وهو أنه لما كثرت خطايا بني
آدم; دعت عليهم الملائكة ، فقال الله تعالى: لو أنزلت الشهوة والشياطين منكم منزلتهما من بني
آدم ، لفعلتم مثل ما فعلوا ، فحدثوا أنفسهم أنهم إن ابتلوا ، اعتصموا ، فأوحى الله إليهم
[ ص: 124 ] [أن ] اختاروا من أفضلكم ملكين ، فاختاروا
هاروت وماروت . وهذا مروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس .
واختلف العلماء: ماذا فعلا من المعصية على ثلاثة أقوال . أحدها: أنهما زنيا ، وقتلا ، وشربا الخمرة ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس . والثاني: أنهما جارا في الحكم ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16523عبيد الله بن عتبة . والثالث: أنهما هما بالمعصية فقط . ونقل عن
علي ، رضي الله عنه ، أن الزهرة كانت امرأة جميلة ، وأنها خاصمت إلى الملكين
هاروت وماروت ، فراودها كل واحد منهما على نفسها ، ولم يعلم صاحبه ، وكانا يصعدان السماء آخر النهار ، فقالت لهما: بم تهبطان وتصعدان؟ قالا: باسم الله الأعظم ، فقالت: ما أما بمواتيتكما إلى ما تريدان حتى تعلمانيه ، فعلماها إياه ، فطارت إلى السماء ، فمسخها الله كوكبا .
وفي الحديث
أن النبي ، صلى الله عليه وسلم "لعن الزهرة ، وقال: إنها فتنت ملكين" إلا أن هذه الأشياء بعيد عن الصحة وتأول بعضهم ، هذا فقال: إنه لما رأى الكوكب ، ذكر تلك المرأة ،
[ ص: 125 ] لا أن المرأة مسخت نجما .
واختلف العلماء في كيفية عذابهما; فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود أنهما معلقان بشعورهما إلى يوم القيامة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: إن جبا ملئ نارا فجعلا فيه .
فأما
بابل; فروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14248الخليل أن ألسن الناس تبلبلت بها . واختلفوا في حدها على ثلاثة أقوال . أحدها: أنها:
الكوفة وسوادها ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . والثاني: أنها من
نصيبين إلى رأس العين ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . والثالث: أنها جبل في وهدة من الأرض ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي .
قوله تعالى:
إنما نحن فتنة أي: اختبار وابتلاء .
قوله تعالى:
إلا بإذن الله يريد: بقضائه .
ولقد علموا : إشارة إلى اليهود
لمن اشتراه يعني: اختاره ، يريد: السحر . واللام لام اليمين . فأما الخلاق; فقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: هو النصيب والوافر من الخير .
وله تعالى:
ولبئس ما شروا به أنفسهم أي: باعوها به
لو كانوا يعلمون العقاب فيه .
[ ص: 126 ] فصل
اختلف الفقهاء في
حكم الساحر; فمذهب إمامنا
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد رضي الله عنه يكفر بسحره ، قتل به ، أو لم يقتل ، وهل تقبل توبته؟ على روايتين . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي: لا يكفر بسحره ، فإن قتل بسحره وقال: سحري يقتل مثله ، وتعمدت ذلك ، قتل قودا . وإن قال: قد يقتل ، قد يخطئ ، لم يقتل ، وفيه الدية . فأما
ساحر أهل الكتاب ، فإنه لا يقتل عند
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد إلا أن يضر بالمسلمين ، فيقتل لنقض العهد ، وسواء في ذلك الرجل والمرأة ، وقال
أبو حنيفة: حكم ساحر أهل الكتاب حكم ساحر المسلمين في إيجاب القتل ، فأما المرأة الساحرة ، فقال: تحبس ، ولا تقتل .