إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم .
لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا وقالوا هذا إفك مبين لولا جاءوا عليه بأربعة شهداء فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته في الدنيا والآخرة لمسكم في ما أفضتم فيه عذاب عظيم إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم [ ص: 17 ] ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينا وهو عند الله عظيم .
ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين .
ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا والآخرة والله يعلم وأنتم لا تعلمون .
ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله رءوف رحيم
قوله تعالى:
إن الذين جاءوا بالإفك أجمع المفسرون; أن هذه الآية وما يتعلق بها بعدها نزلت في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . وفي حديث الإفك أن هذه الآية إلى عشر آيات نزلت في قصة
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . وقد ذكرنا حديث الإفك في كتاب " الحدائق " وفي كتاب " المغني في التفسير " فلم نطل بذكره، لأن غرضنا اختصار هذا الكتاب ليحفظ . فأما الإفك، فهو الكذب، والعصبة: الجماعة .
[ ص: 18 ] ومعنى قوله:
منكم أي: من المؤمنين . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أنها قالت هم أربعة:
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي [بن سلول]، nindex.php?page=showalam&ids=7927ومسطح بن أثاثة، وحمنة بنت جحش، وكذلك عدهم
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
قوله تعالى:
لا تحسبوه شرا لكم قال المفسرون: هذا خطاب
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة وصفوان بن المعطل، وقيل: لرسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=1وأبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة; والمعنى: إنكم تؤجرون فيه،
لكل امرئ منهم يعني: من العصبة الكاذبة
ما اكتسب من الإثم أي: جزاء ما اجترح من الذنب على قدر خوضه فيه،
والذي تولى كبره منهم وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، وأبو رزين، nindex.php?page=showalam&ids=16584وعكرمة، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=12356وابن أبي عبلة ،
nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، ومحبوب عن
nindex.php?page=showalam&ids=12114أبي عمرو، ويعقوب: " كبره " بضم
[ ص: 19 ] الكاف . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15080الكسائي: وهما لغتان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة : كبر الشيء: معظمه، ومنه هذه الآية . قال
قيس بن الخطيم يذكر امرأة:
تنام عن كبر شأنها فإذا قامت رويدا تكاد تنعرف
وفي المتولي لذلك قولان .
أحدهما: أنه
عبد الله بن أبي، رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16561وعروة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة، وبه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي، nindex.php?page=showalam&ids=17132ومقاتل . قال المفسرون: هو الذي أشاع الحديث، فله عذاب عظيم بالنار . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك هو الذي بدأ بذلك .
والثاني: أنه
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان; روى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي أن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت: ما سمعت أحسن من شعر
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان، وما تمثلت به إلا رجوت له الجنة; فقيل: يا أم المؤمنين، أليس الله يقول:
والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم فقالت: أليس قد ذهب بصره؟ وروى عنها
nindex.php?page=showalam&ids=17073مسروق أنها قالت: وأي عذاب أشد من العمى، ولعل الله أن يجعل ذلك العذاب العظيم ذهاب بصره، تعني
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان بن ثابت . [ ص: 20 ] ثم إن الله عز وجل أنكر على الخائضين في الإفك بقوله:
لولا إذ سمعتموه أي: هلا إذ سمعتم أيتها العصبة الكاذبة قذف
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة ظن المؤمنون من العصبة الكاذبة، وهم
nindex.php?page=showalam&ids=144حسان ومسطح والمؤمنات وهي:
حمنة بنت جحش بأنفسهم وفيها ثلاثة أقوال .
أحدها: بأمهاتهم . والثاني: بأخواتهم . والثالث: بأهل دينهم، لأن المؤمنين كنفس واحدة،
وقالوا هذا إفك مبين أي: كذب بين . وجاء في التفسير أن
nindex.php?page=showalam&ids=50أبا أيوب الأنصاري قالت له أمه: ألا تسمع ما يقول الناس في أمر
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة؟! فقال: هذا إفك مبين، أكنت يا أماه فاعلته؟ قالت: معاذ الله، قال:
nindex.php?page=showalam&ids=25فعائشة والله خير منك; فنزلت هذه الآية .
قوله تعالى:
لولا جاءوا أي: هلا جاءت العصبة الكاذبة على قذفهم
nindex.php?page=showalam&ids=25 [عائشة] بأربعة شهداء وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=14676الضحاك، وعاصم الجحدري: " بأربعة " منونة; والمعنى: يشهدون بأنهم عاينوا ما رموها به
فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله أي: في حكمه
هم الكاذبون . ثم ذكر القاذفين فقال:
ولولا فضل الله عليكم ورحمته أي: لولا ما من [الله] به عليكم،
لمسكم أي: لأصابكم
في ما أفضتم أي: أخذتم وخضتم
فيه من الكذب والقذف
[ ص: 21 ] عذاب عظيم في الدنيا والآخرة . ثم ذكر الوقت الذي لولا فضله لأصابهم فيه العذاب فقال:
إذ تلقونه وكان الرجل منهم يلقى الرجل فيقول: بلغني كذا، فيتلقاه بعضهم من بعض . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب: " إذ تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مرفوعة وإسكان اللام وقاف منقوطة بنقطتين مرفوعة خفيفة; وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=33معاوية، وابن السميفع مثله، إلا أنهما فتحا التاء والقاف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: " تتلقونه " بتاءين مفتوحتين مع نصب اللام وتشديد القاف . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب، nindex.php?page=showalam&ids=25وعائشة، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، وأبو حيوة: " تلقونه " بتاء واحدة خفيفة مفتوحة وكسر اللام ورفع القاف . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: " تلقونه " : يلقيه بعضكم إلى بعض وتلقونه; ومعناه: إذ تسرعون بالكذب، يقال: ولق يلق: إذا أسرع في الكذب وغيره، قال الشاعر:
جاءت به عنس من الشام تلق
أي: تسرع . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: " تلقونه " أي: تقبلونه، ومن قرأ: " تلقونه " أخذه من الولق، وهو الكذب .
قوله تعالى:
وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم أي: من غير أن تعلموا أنه حق
وتحسبونه يعني: ذلك القذف
هينا أي: سهلا لا إثم
[ ص: 22 ] فيه
وهو عند الله عظيم في الوزر . ثم زاد عليهم في الإنكار فقال:
ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أي: ما يحل وما ينبغي لنا
أن نتكلم بهذا سبحانك وهو يحتمل التنزيه والتعجب . وروت
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة أن امرأة
nindex.php?page=showalam&ids=50أبي أيوب الأنصاري قالت له: ألم تسمع ما يتحدث الناس؟! فقال:
ما يكون لنا أن نتكلم بهذا ... الآية، فنزلت الآية . وقد روينا آنفا أن أمه ذكرت له ذلك، فنزلت الآية المتقدمة . وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير أن
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ لما سمع ذلك قال: سبحانك هذا بهتان عظيم، فقيل للناس: هلا قلتم كما قال
سعد؟!
قوله تعالى:
يعظكم الله أي: ينهاكم الله
أن تعودوا لمثله أي: إلى مثله
إن كنتم مؤمنين لأن من شرط الإيمان ترك قذف المحصنة .
ويبين الله لكم الآيات في الأمر والنهى .
ثم هدد القاذفين بقوله:
إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة أي يحبون أن يفشو القذف بالفاحشة، وهي الزنا
في الذين آمنوا لهم عذاب أليم في الدنيا يعني: الجلد
والآخرة عذاب النار . وروت
عمرة عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665475لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر، فذكر ذلك، وتلا القرآن، فلما نزل أمر برجلين وامرأة، فضربوا حدهم . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12047أبو صالح عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم جلد عبد الله بن أبي، nindex.php?page=showalam&ids=7927ومسطح بن أثاثة، nindex.php?page=showalam&ids=144وحسان بن ثابت، وحمنة بنت جحش، فأما الثلاثة فتابوا، وأما nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله فمات منافقا، وبعض العلماء ينكر صحة هذا، ويقول: لم يضرب أحدا .
[ ص: 23 ] قوله تعالى:
والله يعلم شر ما خضتم فيه وما يتضمن من سخط الله
وأنتم لا تعلمون ذلك،
ولولا فضل الله عليكم جوابه محذوف، تقديره: لعاقبكم فيما قلتم
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: يريد:
nindex.php?page=showalam&ids=7927مسطحا، وحسان، وحمنة .