وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى قال يا قوم اتبعوا المرسلين . اتبعوا من لا يسألكم أجرا وهم مهتدون . وما لي لا أعبد الذي فطرني وإليه ترجعون . أأتخذ من دونه آلهة إن يردن الرحمن بضر لا تغن عني شفاعتهم شيئا ولا ينقذون . إني إذا لفي ضلال مبين . إني آمنت بربكم فاسمعون . قيل ادخل الجنة قال يا ليت قومي يعلمون . بما غفر لي ربي وجعلني من المكرمين . وما أنزلنا على قومه من بعده من جند من السماء وما كنا منزلين إن كانت إلا صيحة واحدة فإذا هم خامدون .
قوله تعالى:
وجاء من أقصى المدينة رجل يسعى واسمه
حبيب النجار، وكان مجذوما، وكان قد آمن بالرسل لما وردوا القرية، وكان منزله عند أقصى باب من أبواب القرية، فلما بلغه أن قومه قد كذبوا الرسل وهموا بقتلهم، جاء يسعى، فقال ما قصه الله علينا إلى قوله:
وهم مهتدون يعني
[ ص: 13 ] الرسل، فأخذوه ورفعوه إلى الملك، فقال له الملك: أفأنت تتبعهم؟ فقال:
وما لي أسكن هذه الياء
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15833وخلف، ويعقوب لا أعبد الذي فطرني أي: وأي شيء لي إذا لم أعبد خالقي
وإليه ترجعون عند البعث، فيجزيكم بكفركم؟!
فإن قيل: لم أضاف الفطرة إلى نفسه والبعث إليهم وهو يعلم أن الله قد فطرهم جميعا كما يبعثهم جميعا؟
فالجواب: أن إيجاد الله تعالى نعمة يوجب الشكر، والبعث في القيامة وعيد يوجب الزجر، فكانت إضافة النعمة إلى نفسه أظهر في الشكر، وإضافة البعث إلى الكافر أبلغ في الزجر .
ثم أنكر عبادة الأصنام بقوله:
أأتخذ من دونه آلهة .
قوله تعالى:
لا تغن عني شفاعتهم يعني أنه لا شفاعة لهم فتغني،
ولا ينقذون أثبت ها هنا الياء في الحالين
يعقوب، nindex.php?page=showalam&ids=17274وورش، والمعنى: لا يخلصوني من ذلك المكروه .
إني إذا فتح هذه الياء
nindex.php?page=showalam&ids=17192نافع، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو .
قوله تعالى:
إني آمنت بربكم فتح هذه الياء أهل
الحجاز nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو .
وفيمن خاطبهم بإيمانه قولان . أحدهما: أنه خاطب قومه بذلك، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود . والثاني: أنه خاطب الرسل .
ومعنى
فاسمعون اشهدوا لي بذلك، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة: المعنى: فاسمعوا مني . وأثبت ياء "فاسمعوني" في الحالين
يعقوب . قال
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود: لما خاطب قومه بذلك، وطئوه بأرجلهم . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي: رموه بالحجارة، وهو يقول: اللهم اهد قومي .
قوله تعالى:
قيل ادخل الجنة لما قتلوه فلقي الله، قيل له: "ادخل الجنة"،
[ ص: 14 ] فلما دخلها
قال يا ليت قومي يعلمون بما غفر لي ربي ، وفي "ما" قولان .
أحدهما: أنها مع "غفر" في موضع مصدر; والمعنى: بغفران الله لي .
والثاني: أنها بمعنى "الذي"، فالمعنى: ليتهم يعلمون بالذي غفر لي [به] ربي فيؤمنون، فنصحهم حيا وميتا .
فلما قتلوه عجل الله لهم العذاب، فذلك قوله:
وما أنزلنا على قومه يعني قوم حبيب
من بعده أي: من بعد قتله
من جند من السماء يعني الملائكة، أي: لم ينتصر منهم بجند من السماء
وما كنا ننزلهم على الأمم إذا أهلكناهم . وقيل: المعنى: ما بعثنا إليهم بعده نبيا، ولا أنزلنا عليهم رسالة .
إن كانت إلا صيحة واحدة قال المفسرون: أخذ
جبريل عليه السلام بعضادتي باب المدينة، ثم صاح بهم صيحة واحدة، فإذا هم ميتون لا يسمع لهم حس، كالنار إذا طفئت، وهو قوله:
فإذا هم خامدون أي: ساكنون كهيأة الرماد الخامد .