[ ص: 26 ] سورة عبس
مكية كلها بإجماعهم
بسم الله الرحمن الرحيم
عبس وتولى أن جاءه الأعمى وما يدريك لعله يزكى أو يذكر فتنفعه الذكرى أما من استغنى فأنت له تصدى وما عليك ألا يزكى وأما من جاءك يسعى وهو يخشى فأنت عنه تلهى كلا إنها تذكرة فمن شاء ذكره في صحف مكرمة مرفوعة مطهرة بأيدي سفرة كرام بررة .
قوله تعالى:
عبس وتولى قال المفسرون:
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما يناجي عتبة بن ربيعة، وأبا جهل بن هشام، وأمية وأبيا ابني خلف، ويدعوهم إلى الله تعالى، ويرجو إسلامهم، فجاء nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم الأعمى، فقال: علمني يا رسول الله مما علمك الله، وجعل يناديه، ويكرر النداء، ولا يدري أنه مشتغل بكلام غيره، حتى ظهرت الكراهية في وجهه صلى الله عليه وسلم لقطعه كلامه، فأعرض عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأقبل على القوم يكلمهم، فنزلت هذه الآيات، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكرمه بعد ذلك، ويقول: مرحبا بمن عاتبني فيه [ ص: 27 ] ربي . وذهب قوم، منهم
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل، إلى أنه إنما جاء ليؤمن، فأعرض عنه النبي صلى الله عليه وسلم اشتغالا بالرؤساء، فنزلت فيه هذه الآيات .
ومعنى
عبس قطب وكلح
وتولى أعرض بوجهه
أن جاءه أي: لأن جاءه . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب، nindex.php?page=showalam&ids=14102والحسن، nindex.php?page=showalam&ids=11904وأبو المتوكل، وأبو عمران: " أن جاءه " بهمزة واحدة مفتوحة ممدودة . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وابن السميفع " أأن " بهمزتين مقصورتين مفتوحتين . و
الأعمى هو
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم، واسمه
عمرو بن قيس . وقيل: اسمه
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو وما يدريك لعله يزكى أي: يتطهر من الذنوب بالعمل الصالح، وما يتعلمه منك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل: لعله يؤمن
أو يذكر أي: يتعظ بما يتعلمه من مواعظ القرآن
فتنفعه الذكرى قرأ
حفص عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم "
فتنفعه " بفتح العين، والباقون برفعها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: من نصب، فعلى جواب " لعل " ، ومن رفع، فعلى العطف على "
يزكى " .
قوله تعالى:
أما من استغنى قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: استغنى عن الله وعن الإيمان بماله . قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد: "
أما من استغنى "
عتبة، وشيبة، فأنت له تصدى . قرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير، nindex.php?page=showalam&ids=17192ونافع: " تصدى " بتشديد الصاد . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم، nindex.php?page=showalam&ids=12114وأبو عمرو ،
[ ص: 28 ] nindex.php?page=showalam&ids=16447وابن عامر، nindex.php?page=showalam&ids=15760وحمزة، nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي: " تصدى " بفتح التاء، والصاد وتخفيفها، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب، nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء، nindex.php?page=showalam&ids=16705وعمرو بن دينار: " تتصدى " بتاءين مع تخفيف الصاد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: الأصل: تتصدى، ولكن حذفت التاء الثانية لاجتماع تاءين . ومن قرأ: " تصدى " بإدغام التاء، فالمعنى أيضا: تتصدى، إلا أن التاء أدغمت في الصاد لقرب مخرج التاء من الصاد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس: " تصدى " تقبل عليه بوجهك . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13436ابن قتيبة: تتعرض . وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، وابن السميفع، والجحدري: " تصدى " بتاء واحدة مضمومة، وتخفيف الصاد .
قوله تعالى:
وما عليك أي: أي شيء عليك في أن لا يسلم من تدعوه إلى الإسلام؟ يعني: أنه ليس عليه إلا البلاغ .
وأما من جاءك يسعى فيه قولان .
أحدهما: يمشي .
والثاني: يعمل في الخير، وهو
nindex.php?page=showalam&ids=100ابن أم مكتوم وهو يخشى الله
فأنت عنه تلهى وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود، nindex.php?page=showalam&ids=16258وطلحة بن مصرف، nindex.php?page=showalam&ids=11838وأبو الجوزاء " تتلهى " بتاءين .
وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب، وابن السميفع، والجحدري " تلهى " بتاء واحدة خفيفة مرفوعة . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: أي: تتشاغل عنه . يقال: لهيت عن الشيء ألهى عنه: إذا تشاغلت عنه .
قوله تعالى:
كلا أي: لا تفعل ذلك .
إنها في المكني عنها قولان .
أحدهما: آيات القرآن، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
والثاني: هذه السورة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء " والتذكرة " بمعنى التذكير
فمن شاء ذكره مفسر في آخر [المدثر: 55] . ثم أخبر بجلالة القرآن عنده، فقال تعالى:
[ ص: 29 ] في صحف مكرمة أي: هو في صحف، أي: في كتب مكرمة، وفيها قولان .
أحدهما: أنها اللوح المحفوظ، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل .
والثاني: كتب الأنبياء، ذكره
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي . فعلى هذا يكون معنى " مرفوعة " عالية القدر . وعلى الأول يكون رفعها كونها في السماء .
وفي معنى " المطهرة " أربعة أقوال .
أحدها: مطهرة من أن تنزل على المشركين، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن . والثاني: مطهرة من الشرك والكفر، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17132مقاتل . والثالث: لأنه لا يمسها إلا المطهرون، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء . والرابع: مطهرة من الدنس، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17317يحيى بن سلام .
قوله تعالى:
بأيدي سفرة فيهم قولان .
أحدهما: أنهم الملائكة، قاله الجمهور .
والثاني: أصحاب
محمد صلى الله عليه وسلم، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=17285وهب بن منبه .
وفي معنى "
سفرة " ثلاثة أقوال .
أحدها: أنهم الكتبة، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس، nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد، nindex.php?page=showalam&ids=12078وأبو عبيدة، nindex.php?page=showalam&ids=13436وابن قتيبة، nindex.php?page=showalam&ids=14416والزجاج . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14416الزجاج: واحدهم: سافر، وسفرة، مثل كاتب، وكتبة، وكافر، وكفرة . وإنما قيل للكتاب: سفر، وللكاتب: سافر، لأن معناه أنه يبين الشيء ويوضحه . يقال: أسفر الصبح: إذا أضاء . وسفرت المرأة: إذا كشفت النقاب عن وجهها . ومنه: سفرت بين القوم، أي: كشفت ما في قلب هذا، وقلب هذا، لأصلح بينهم .
والثاني: أنهم القراء، قاله
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة . [ ص: 30 ] والثالث: أنهم السفراء، وهم المصلحون . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: تقول
العرب: سفرت بين القوم، أي: أصلحت بينهم، فجعلت الملائكة إذا نزلت بوحي الله، كالسفير الذي يصلح بين القوم . قال الشاعر:
وما أدع السفارة بين قومي وما أمشي بغش إن مشيت
قوله تعالى:
كرام أي: على ربهم
بررة أي: مطيعين . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14888الفراء: واحد " البررة " في قياس العربية: بار، لأن
العرب لا تقول: فعلة ينوون به الجمع إلا والواحد منه فاعل، مثل كافر، وكفرة، وفاجر، وفجرة .