صفحة جزء
نساؤكم حرث لكم فأتوا حرثكم أنى شئتم وقدموا لأنفسكم واتقوا الله واعلموا أنكم ملاقوه وبشر المؤمنين .

قوله تعالى: (نساؤكم حرث لكم) في سبب نزولها ثلاثة أقوال .

أحدها: أن اليهود أنكرت جواز إتيان المرأة إلا من بين يديها ، وعابت من يأتيها على غير تلك الصفة ، فنزلت هذه الآية . روي عن جابر ، والحسن ، وقتادة . والثاني: أن حيا من قريش كانوا يتزوجون النساء بمكة ، ويتلذذون بهن مقبلات ومدبرات ، فلما قدموا المدينة ، تزوجوا من الأنصار ، فذهبوا ليفعلوا ذلك ، فأنكرنه ، وانتهى الحديث إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فنزلت هذه الآية . رواه مجاهد عن ابن عباس . والثالث: أن عمر بن الخطاب جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال: هلكت ، حولت رحلي الليلة ، فنزلت هذه الآية . رواه سعيد بن جبير عن ابن [ ص: 251 ] عباس . والحرث: المزدرع ، وكنى به هاهنا عن الجماع ، فسماهن حرثا ، لأنهن مزدرع الأولاد ، كالأرض للزرع ، فإن قيل: النساء جمع ، فلم لم يقل: حروث؟ فعنه ثلاثة أجوبة ، ذكرها ابن القاسم الأنباري النحوي . أحدها: أن يكون الحرث مصدرا في موضع الجمع ، فلزمه التوحيد ، كما تقول العرب: إخوتك صوم ، وأولادك فطر ، يريدون: صائمين ومفطرين ، فيؤدي المصدر بتوحيده عن اللفظ المجموع . والثاني: أن يكون أراد حروث لكم ، فاكتفى بالواحد من الجمع ، كما قال الشاعر:


كلوا في نصف بطونكم تعيشوا



أي: في أنصاف بطونكم . والثالث: أنه إنما وحد الحرث ، لأن النساء شبهن به ، ولسن من جنسه ، والمعنى: نساؤكم مثل حروث لكم .

قوله تعالى: (أنى شئتم) فيه ثلاثة أقوال .

أحدها: أنه بمعنى: كيف شئتم ، ثم فيه قولان . أحدهما: أن المعنى: كيف شئتم ، مقبلة أو مدبرة ، وعلى كل حال ، إذا كان الإتيان في الفرج . وهذا قول ابن عباس ، ومجاهد ، وعطية ، والسدي ، وابن قتيبة في آخرين . والثاني: أنها نزلت في العزل . قاله سعيد بن المسيب ، فيكون المعنى: إن شئتم فاعزلوا ، وإن شئتم فلا تعزلوا .

[ ص: 252 ] والقول الثاني: أنه بمعنى: إن شئتم ، ومتى شئتم وهو قول ابن الحنفية والضحاك ، وروي عن ابن عباس أيضا . والثالث: أنه بمعنى: حيث شئتم ، وهذا محكي عن ابن عمر ومالك بن أنس ، وهو فاسد من وجوه ، أحدها: أن سالم بن عبد الله لما بلغه أن نافعا تحدث بذلك عن ابن عمر ، قال: كذب العبد ، إنما قال عبد الله: يؤتون في فروجهن من أدبارهن . وأما أصحاب مالك ، فإنهم ينكرون صحته عن مالك ، والثاني: أن أبا هريرة روى عن النبي ، صلى الله عليه وسلم ، أنه قال: "ملعون من أتى النساء في أدبارهن" فدل على أن الآية لا يراد بها هذا .

والثالث: أن الآية نبهت على أنه محل الولد بقوله: (فأتوا حرثكم) وموضع الزرع: هو مكان الولد ، قال ابن الأنباري: لما نص الله على ذكر الحرث ، والحرث به يكون النبات ، والولد مشبه بالنبات ، لم يجز أن يقع الوطء في محل لا يكون منه ولد .

[ ص: 253 ] . والرابع: أن تحريم إتيان الحائض كان لعلة الأذى ، والأذى ملازم لهذا المحل لا يفارقه .

قوله تعالى: (وقدموا لأنفسكم) فيه أربعة أقوال . أحدها: أن معناه: وقدموا لأنفسكم من العمل الصالح ، رواه أبو صالح عن ابن عباس . والثاني: وقدموا التسمية عند الجماع ، رواه عطاء عن ابن عباس . والثالث: وقدموا لأنفسكم في طلب الولد ، قاله مقاتل . والرابع: وقدموا طاعة الله واتباع أمره ، قاله الزجاج .

التالي السابق


الخدمات العلمية