القول في تأويل قوله تعالى:
[54]
إن تبدوا شيئا أو تخفوه فإن الله كان بكل شيء عليما .
إن تبدوا شيئا أي: مما لا خير فيه، كنكاحهن على ألسنتكم، على ما روي عن بعض الجفاة:
أو تخفوه أي: في نفوسكم:
فإن الله كان بكل شيء عليما أي: فيجازيكم
[ ص: 4894 ] بما صدر عنكم من المعاصي البادية والخافية لا محالة، وفي هذا التعميم مع البرهان على المقصود، مزيد تهويل وتشديد ومبالغة في الوعيد.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : أجمع العلماء قاطبة على أن
من توفي عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم من أزواجه، أنه يحرم على غيره تزوجها من بعده; لأنهن أزواجه في الدنيا والآخرة، وأمهات المؤمنين، واختلفوا فيمن
دخل بها ثم طلقها في حياته; هل يحل لغيره أن يتزوجها؟ على قولين. مأخذهما هل دخلت هذه في عموم قوله:
من بعده أم لا؟ فأما من تزوجها ثم طلقها قبل أن يدخل بها، فما نعلم في حلها لغيره، والحالة هذه نزاعا، والله أعلم. انتهى.
تنبيه:
في (الإكليل): هذه آية الحجاب التي أمر بها أمهات المؤمنين، بعد أن كان النساء لا يحتجبن، وفيها جواز
سماع كلامهن ومخاطبتهن، وفيها
تحريم أذى النبي صلى الله عليه وسلم بسائر وجوه الأذى. انتهى.
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هذه آية الحجاب; وفيها أحكام، وآداب شرعية، وهي مما وافق تنزيلها قول
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه، كما روى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عنه أنه قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654416« يا رسول الله! يدخل عليك البر والفاجر. فلو أمرت أمهات المؤمنين بالحجاب! » فأنزل الله آية الحجاب.
وكان يقول لو أطاع فيكن، ما رأتكن عين. وكان وقت نزولها في صبيحة عرس رسول الله صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=showalam&ids=15953بزينب بنت جحش ، التي تولى الله تزويجها بنفسه تعالى، وكان ذلك في ذي القعدة من السنة الخامسة، في قول
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة nindex.php?page=showalam&ids=15472والواقدي وغيرهما. وزعم
nindex.php?page=showalam&ids=12078أبو عبيدة معمر بن المثنى، nindex.php?page=showalam&ids=15835وخليفة بن خياط، أن ذلك كان في سنة ثلاث. فالله أعلم.
[ ص: 4895 ] وروى
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري عن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654417لما تزوج النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش ، دعا القوم فطعموا ثم جلسوا يتحدثون، فإذا هو يتهيأ للقيام فلم يقوموا، فلما رأى ذلك قام، فلما قام، قام من قام، وقعد ثلاثة نفر، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم ليدخل فإذا القوم جلوس، ثم إنهم قاموا فانطلقوا، فجئت فأخبرت النبي صلى الله عليه وسلم أنهم قد انطلقوا. فجاء حتى دخل، فذهبت أدخل، فألقى الحجاب بيني وبينه، فأنزل الله تعالى: يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي الآية.
ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم أيضا
nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس أيضا قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654419بني على النبي صلى الله عليه وسلم nindex.php?page=showalam&ids=15953بزينب بنت جحش ، بخبز ولحم، فأرسلت على الطعام داعيا، فيجيء قوم فيأكلون ويخرجون، ثم يجيء قوم فيأكلون ويخرجون فدعوت حتى ما أجد أحدا أدعو. فقلت: يا رسول الله! ما أجد أحدا أدعوه. قال: « ارفعوا طعامكم » . وبقي ثلاثة رهط يتحدثون في البيت. فخرج النبي صلى الله عليه وسلم فانطلق إلى حجرة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها فقال: « السلام عليكم أهل البيت ورحمة الله وبركاته » . قالت: وعليك السلام ورحمة الله وبركاته. كيف وجدت أهلك؟ يا رسول الله! بارك الله لك.
فتقرى حجر نسائه كلهن. يقول لهن كما يقول nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة ، ويقلن له كما قالت nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . ثم رجع النبي صلى الله عليه وسلم فإذا ثلاثة رهط في البيت يتحدثون -وكان النبي صلى الله عليه وسلم شديد الحياء- فخرج منطلقا نحو حجرة nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة . فما أدري آخبرته أو أخبر، أن القوم خرجوا. فرجع، حتى إذا وضع رجله في أسكفة الباب داخلة، والأخرى خارجة ، أرخى الستر بيني وبينه، وأنزلت آية الحجاب. انفرد به
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وأخرج نحوه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي ; كما بسطه
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير .
[ ص: 4896 ] قال
الحافظ ابن حجر في (الفتح): قال
عياض: فرض الحجاب مما اختصصن به، فهو فرض عليهن بلا خلاف، في الوجه والكفين، فلا يجوز لهن كشف ذلك في شهادة ولا غيرها، ولا إظهار شخوصهن وإن كن مستترات، إلا ما دعت إليه ضرورة من براز. ثم استدل بما في (الموطأ) أن
nindex.php?page=showalam&ids=41حفصة لما توفي
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر سترها النساء عن أن يرى شخصها، وأن
nindex.php?page=showalam&ids=15953زينب بنت جحش جعلت لها القبة فوق نعشها يستر شخصها. انتهى.
وليس فيما ذكره دليل على ما ادعاه من فرض ذلك عليهن، وقد كن بعد النبي صلى الله عليه وسلم يحججن ويطفن، وكان الصحابة ومن بعدهم يسمعون منهن الحديث، وهن مستترات الأبدان لا الأشخاص، وقد تقدم في الحج قول
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج nindex.php?page=showalam&ids=16568لعطاء ، لما ذكر له طواف
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة : أقبل الحجاب أو بعده؟ قال قد أدركت ذلك بعد الحجاب. انتهى.
ومما يؤيده ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في التفسير عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة رضي الله عنها. قالت:
nindex.php?page=hadith&LINKID=704000خرجت nindex.php?page=showalam&ids=93سودة بعد ما ضرب الحجاب لحاجتها، وكانت امرأة جسيمة، لا تخفى على من يعرفها. فرآها nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب . فقال: يا nindex.php?page=showalam&ids=93سودة ! أما والله! ما تخفين علينا. فانظري كيف تخرجين. قالت: فانكفأت راجعة، ورسول الله صلى الله عليه وسلم في بيتي، وإنه ليتعشى وفي يده عرق، فدخلت فقالت: يا رسول الله! إني خرجت لبعض حاجتي، فقال لي nindex.php?page=showalam&ids=2عمر كذا وكذا. قالت فأوحى الله إليه ثم رفع عنه، وإن العرق في يده ما وضعه، فقال: إنه قد أذن لكن أن تخرجن لحاجتكن.
قال
الكرماني: فإن قلت وقع هنا أنه كان بعد ما ضرب الحجاب وفي الوضوء -أي: من
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري - أنه كان قبل الحجاب. فالجواب لعله وقع مرتين.
[ ص: 4897 ] قال
ابن حجر: قلت بل المراد بالحجاب الأول غير الحجاب الثاني.
والحاصل أن
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه وقع في قلبه نفرة من اطلاع الأجانب على الحريم النبوي، حتى صرح بقوله له عليه الصلاة والسلام: احجب نساءك، وأكد ذلك إلى أن نزلت آية الحجاب، ثم قصد بعد ذلك أن لا يبدين أشخاصهن أصلا، ولو كن مستترات، فبالغ في ذلك فمنع منه، وأذن لهن في الخروج لحاجتهن، دفعا للمشقة، ورفعا للحرج، انتهى بحروفه. وإنما نقلنا الجمع بين الروايتين، مع أن الأمس به شرح الصحيح، لما اتفق من نقل كثير من المفسرين إحدى الروايتين ونقل آخرين الثانية، مما يوقع الواقف في شبهة الاختلاف، فآثرنا توسيع الكلام لتدقيق المقام. زادنا الله من فضله علما، إنه هو العليم العلام.
ثم يبين تعالى من لا يجب الاحتجاب منهم من الأقارب، بقوله: