( الوجه التاسع وهو الثاني عشر : وهو أن
الصحابة والتابعين وعامة السلف قد ابتلي الناس في أزمانهم بأضعاف ما ابتلوا في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ولا يشك عاقل في كثرة وقوع الحوادث المتعلقة بهذه المسألة . ثم المنقول عنهم أحد شيئين : إما القول بالطهارة أو عدم الحكم بالنجاسة مثل ما ذكرناه عن
أبي موسى وأنس وعبد الله بن مغفل أنه كان يصلي وعلى رجليه أثر السرقين . وهذا قد عاين أكابر
الصحابة بالعراق وعن
عبيد بن عمير قال : إن لي غنما تبعر في مسجدي وهذا قد عاين أكابر الصحابة
بالحجاز وعن
[ ص: 580 ] إبراهيم النخعي فيمن يصلي وقد أصابه السرقين قال لا بأس وعن
أبي جعفر الباقر ونافع مولى ابن عمر أنه أصابت عمامته بول بعير فقالا : جميعا لا بأس . وسألهما
جعفر الصادق وهو أشبه بالدليل على أن ما روي عن
ابن عمر في ذلك من الغسل إما ضعيف أو على سبيل الاستحباب والتنظيف فإن
نافعا لا يكاد يخفى عليه طريقة
ابن عمر في ذلك ولا يكاد يخالفه والمأثور عن
السلف في ذلك كثير .
وقد نقل عن بعضهم ألفاظ إن ثبتت فليست صريحة بنجاسة محل النزاع مثل ما روي عن
الحسن أنه قال : البول كله يغسل وقد روي عنه أنه قال لا بأس بأبوال الغنم فعلم أنه أراد بول الإنسان الذكر والأنثى والكبير والصغير وكذلك ما روي عن
Multitarajem.php?tid=11866,11867أبي الشعثاء أنه قال الأبوال كلها أنجاس فلعله أراد ذلك إن ثبت عنه وقد ذكرنا عن
ابن المنذر وغيره أنه لم يعرف عن أحد من
السلف القول بنجاستها ومن المعلوم الذي لا شك فيه أن هذا إجماع على عدم النجاسة بل مقتضاه أن التنجيس من الأقوال المحدثة فيكون مردودا بالأدلة الدالة على إبطال الحوادث لا سيما مقالة محدثة مخالفة لما عليه الصدر الأول ومن المعلوم أن الأعيان الموجودة في زمانهم ومكانهم إذا أمسكوا عن تحريمها وتنجيسها مع الحاجة إلى بيان ذلك كان تحريمها وتنجيسها ممن بعدهم بمنزلة أن يمسكوا عن بيان أفعال يحتاج إلى بيان وجوبها لو كان
[ ص: 581 ] ثابتا فيجيء من بعدهم فيوجبها .
ومتى قام المقتضي للتحريم أو الوجوب ولم يذكروا وجوبا ولا تحريما كان إجماعا منهم على عدم اعتقاد الوجوب والتحريم وهو المطلوب . وهذه الطريقة معتمدة في كثير من الأحكام وهي أصل عظيم ينبغي للفقيه أن يتأملها ولا يغفل عن غورها ; لكن لا يسلم إلا بعدم ظهور الخلاف في الصدر الأول فإن كان فيه خلاف محقق بطلت هذه الطريقة والحق أحق أن يتبع .