وكذلك جمع المطر : السنة أن
يجمع للمطر في وقت المغرب حتى اختلف مذهب
أحمد هل يجوز أن يجمع للمطر في وقت الثانية ؟ على وجهين . وقيل إن ظاهر كلامه أنه لا يجمع وفيه وجه ثالث أن الأفضل التأخير وهو غلط مخالف للسنة والإجماع القديم وصاحب هذا القول ظن أن التأخير في الجمع أفضل مطلقا ; لأن الصلاة يجوز فعلها بعد الوقت عند النوم والنسيان ولا يجوز فعلها قبل الوقت بحال بل لو صلاها قبل الزوال وقبل الفجر أعادها وهذا غلط ; فإن الجمع
بمزدلفة إنما المشروع فيه تأخير المغرب إلى
[ ص: 57 ] وقت العشاء بالسنة المتواترة واتفاق المسلمين وما علمت أحدا من العلماء سوغ له هناك أن يصلي العشاء في طريقه وإنما اختلفوا في المغرب هل له أن يصليها في طريقه على قولين . وأما التأخير فهو كالتقديم بل صاحبه أحق بالذم ومن
نام عن صلاة أو نسيها فإن وقتها في حقه حين يستيقظ ويذكرها وحينئذ هو مأمور بها لا وقت لها إلا ذلك فلم يصلها إلا في وقتها .
وأما من صلى قبل الزوال وطلوع الفجر الذي يحصل به فإن كان متعمدا فهذا فعل ما لم يؤمر به وأما إن كان عاجزا عن معرفة الوقت كالمحبوس الذي لا يمكنه معرفة الوقت فهذا في إجزائه قولان للعلماء وكذلك في صيامه إذا صام حيث لا يمكنه معرفة شهور رمضان كالأسير إذا
صام بالتحري ثم تبين له أنه قبل الوقت ففي إجزائه قولان للعلماء وأما من
صلى في المصر قبل الوقت غلطا فهذا لم يفعل ما أمر به وهل تنعقد صلاته نفلا أو تقع باطلة ؟ على وجهين في مذهب
أحمد وغيره .
والمقصود أن الله لم يبح لأحد أن يؤخر الصلاة عن وقتها بحال كما لم يبح له أن يفعلها قبل وقتها بحال فليس جمع التأخير بأولى من جمع التقديم ; بل ذاك بحسب الحاجة والمصلحة فقد يكون هذا أفضل وقد يكون هذا أفضل وهذا مذهب جمهور العلماء وهو
[ ص: 58 ] ظاهر مذهب
أحمد المنصوص عنه وغيره . ومن أطلق من أصحابه القول بتفضيل أحدهما مطلقا فقد أخطأ على مذهبه .
وأحاديث الجمع الثابتة عن النبي صلى الله عليه وسلم مأثورة من حديث
ابن عمر وابن عباس وأنس ومعاذ nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة وجابر وقد تأول هذه الأحاديث من أنكر الجمع على تأخير الأولى إلى آخر وقتها وتقديم الثانية إلى أول وقتها وقد جاءت الروايات الصحيحة بأن الجمع كان يكون في وقت الثانية وفي وقت الأولى وجاء الجمع مطلقا والمفسر يبين المطلق . ففي الصحيحين من حديث
سفيان عن
الزهري عن
سالم عن أبيه {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599444أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء } وروى
مالك عن
نافع عن
ابن عمر قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599445كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به السير جمع بين المغرب والعشاء } رواه
مسلم وروى
مسلم من حديث
يحيى بن سعيد حدثنا
عبيد الله أخبرني
نافع عن
ابن عمر أنه كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق ويذكر : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=64617أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء } .
قال
الطحاوي : حديث
ابن عمر إنما فيه الجمع بعد مغيب الشفق من فعله وذكر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه جمع بين الصلاتين
[ ص: 59 ] ولم يذكر كيف كان جمعه ; وهذا إنما فيه التأخير من فعل
ابن عمر لا فيما رواه عن النبي صلى الله عليه وسلم فذكر المثبتون ما رواه
nindex.php?page=showalam&ids=14327محمد بن يحيى الذهلي حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15748حماد بن مسعدة عن
nindex.php?page=showalam&ids=16524عبيد الله بن عمر عن
نافع أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599446 nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر أسرع السير فجمع بين المغرب والعشاء فسألت نافعا فقال : بعد ما غاب الشفق بساعة وقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إذا جد به السير } ورواه
سليمان بن حرب حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15743حماد بن زيد عن
أيوب عن
نافع : أن
ابن عمر استصرخ على
صفية بنت أبي عبيد وهو
بمكة وهي
بالمدينة فأقبل فسار حتى غربت الشمس وبدت النجوم فقال رجل كان يصحبه : الصلاة الصلاة فسار
ابن عمر فقال له
سالم : الصلاة فقال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599447إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا عجل به أمر في سفر جمع بين هاتين الصلاتين } . فسار حتى إذا غاب الشفق جمع بينهما وسار ما بين
مكة والمدينة ثلاثا .
وروى
البيهقي هذين بإسناد صحيح مشهور قال ورواه
معمر عن
أيوب وموسى بن عقبة عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599448نافع وقال في الحديث : فأخر المغرب بعد ذلك الشفق حتى ذهب هوي من الليل ثم نزل فصلى المغرب والعشاء قال : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل ذلك إذا جد به السير أو حزبه أمر } . قال : ورواه
يزيد بن هارون عن
يحيى [ ص: 60 ] بن سعيد الأنصاري عن
نافع فذكر أنه سار قريبا من ربع الليل ثم نزل فصلى ورواه من طريق
الدارقطني حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=13297ابن صاعد والنيسابوري حدثنا
العباس بن الوليد بن يزيد أخبرني
عمر بن محمد بن زيد حدثني
نافع مولى عبد الله بن عمر عن
ابن عمر : أنه أقبل من
مكة وجاءه خبر
صفية بنت أبي عبيد فأسرع السير فلما غابت الشمس قال له إنسان من أصحابه : الصلاة فسكت ثم سار ساعة فقال له صاحبه : الصلاة فقال الذي قال له " الصلاة " : إنه ليعلم من هذا علما لا أعلمه فسار حتى إذا كان بعد ما غاب الشفق بساعة نزل فأقام الصلاة وكان لا ينادي لشيء من الصلاة في السفر فأقام فصلى المغرب والعشاء جميعا جمع بينهما ثم قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599449إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا جد به السير جمع بين المغرب والعشاء بعد أن يغيب الشفق بساعة وكان يصلي على ظهر راحلته أين توجهت به السبحة في السفر } . ويخبر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يصنع ذلك .
قال
البيهقي : اتفقت رواية
يحيى بن سعيد الأنصاري وموسى بن عقبة nindex.php?page=showalam&ids=16524وعبيد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=12341وأيوب السختياني وعمر بن محمد بن زيد : على أن جمع
nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر بين الصلاتين بعد غيبوبة الشفق وخالفهم من لا يدانيهم في حفظ أحاديث
نافع وذكر أن
ابن جابر رواه عن
نافع [ ص: 61 ] ولفظه : حتى إذا كان في آخر الشفق نزل فصلى المغرب ثم أقام الصلاة وقد توارى الشفق فصلى بنا ثم أقبل علينا فقال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا عجل به الأمر صنع هكذا . وقال : وبمعناه رواه
nindex.php?page=showalam&ids=16795فضيل بن غزوان وعطاف بن خالد عن
نافع ورواية الحفاظ من أصحاب
نافع أولى بالصواب . فقد رواه
سالم بن عبد الله وأسلم مولى عمر وعبد الله بن دينار وإسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب : عن
ابن عمر نحو روايتهم أما حديث
سالم فرواه
عاصم بن محمد عن أخيه
عمر بن محمد عن
سالم وأما حديث
أسلم فأسنده من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12528ابن أبي مريم : أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16769محمد بن جعفر أخبرني {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599450زيد بن أسلم عن أبيه قال : كنت مع ابن عمر فبلغه عن صفية شدة وجع فأسرع السير حتى [ إذا ] كان بعد غروب الشفق نزل فصلى المغرب والعتمة جمع بينهما وقال : إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير أخر المغرب وجمع بينهما } . رواه
البخاري في صحيحه عن
nindex.php?page=showalam&ids=12528ابن أبي مريم .
وأسند أيضا من كتاب
يعقوب بن سفيان أنا
أبو صالح Multitarajem.php?tid=13002,13003وابن بكير قالا حدثنا
الليث قال قال
ربيعة بن أبي عبد الرحمن حدثني {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599451 nindex.php?page=showalam&ids=16430عبد الله بن دينار وكان من صالحي المسلمين صدقا ودينا قال : غابت الشمس ونحن مع nindex.php?page=showalam&ids=12عبد الله بن عمر فسرنا فلما رأيناه قد أمسى قلنا له : الصلاة فسكت حتى غاب الشفق وتصوبت النجوم فنزل فصلى الصلاتين جميعا ثم قال : [ ص: 62 ] رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا جد به السير صلى صلاتي هذه يقول جمع بينهما بعد ليل } .
وأما حديث
إسماعيل بن عبد الرحمن فأسند من طريق
الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=12181وأبي نعيم عن
ابن عيينة عن
أبي نجيح عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599452إسماعيل بن عبد الرحمن بن ذؤيب قال : صحبت ابن عمر فلما غابت الشمس هبنا أن نقول له قم إلى الصلاة فلما ذهب بياض الأفق وفحمة العشاء نزل فصلى ثلاث ركعات وركعتين ثم التفت إلينا فقال هكذا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يفعل } .
وأما حديث
أنس ففي الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن
أنس قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599453كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا ارتحل قبل أن تزيغ الشمس أخر الظهر إلى وقت العصر ثم نزل فجمع بينهما فإن زاغت الشمس قبل أن يرتحل صلى الظهر ثم ركب } هذا لفظ الفعل عن
عقيل عنه ورواه
مسلم من حديث
ابن وهب : حدثني
جابر بن إسماعيل عن
عقيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن
أنس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم {
nindex.php?page=hadith&LINKID=92938أنه كان إذا عجل به السير يؤخر الظهر إلى وقت العصر فيجمع بينهما ويؤخر المغرب حتى يجمع بينها وبين العشاء حين يغيب الشفق } . ورواه
مسلم من حديث
شبابة : حدثنا
الليث بن سعد عن
عقيل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13283ابن شهاب عن
أنس قال : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599454كان رسول الله صلى الله عليه وسلم [ ص: 63 ] إذا أراد أن يجمع بين الظهر والعصر في السفر أخر الظهر حتى يدخل أول وقت العصر ثم يجمع بينهما } ورواه من حديث
الإسماعيلي أنا
الفريابي أنا
إسحاق بن راهويه أنا
شبابة بن سوار عن
ليث عن
عقيل عن
أنس : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599455كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا كان في السفر فزالت الشمس صلى الظهر والعصر جميعا ثم ارتحل } . قلت : هكذا في هذه الرواية وهي مخالفة للمشهور من حديث
أنس وأما حديث
معاذ فمن إفراد
مسلم رواه من حديث
مالك وزهير بن معاوية nindex.php?page=showalam&ids=16823وقرة بن خالد وهذا لفظ
مالك عن
أبي الزبير المكي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11871أبي الطفيل عامر بن واثلة : أن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=599456 nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل أخبرهم : أنهم خرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم فجمع بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء فأخر الصلاة يوما ثم خرج فصلى الظهر والعصر ثم دخل ثم خرج فصلى المغرب والعشاء } .
قلت :
الجمع على ثلاث درجات : أما إذا كان سائرا في وقت الأولى فإنما ينزل في وقت الثانية . فهذا هو الجمع الذي ثبت في الصحيحين من حديث
أنس وابن عمر وهو نظير جمع
مزدلفة . وأما إذا كان وقت الثانية سائرا أو راكبا فجمع في وقت الأولى فهذا نظير الجمع
بعرفة وقد روي ذلك في السنن كما سنذكره إن شاء الله وأما إذا كان نازلا في وقتهما جميعا نزولا مستمرا : فهذا ما علمت روي ما يستدل
[ ص: 64 ] به عليه إلا حديث
معاذ هذا ; فإن ظاهره أنه كان نازلا في خيمة في السفر وأنه أخر الظهر ثم خرج فصلى الظهر والعصر جميعا ثم دخل إلى بيته ثم خرج فصلى المغرب والعشاء جميعا . فإن الدخول والخروج إنما يكون في المنزل وأما السائر فلا يقال دخل وخرج بل نزل وركب .
وتبوك هي آخر غزوات النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسافر بعدها إلا حجة الوداع وما نقل أنه جمع فيها إلا
بعرفة ومزدلفة وأما
بمنى فلم ينقل أحد أنه جمع هناك بل نقلوا أنه كان يقصر الصلاة هناك ولا نقلوا أنه كان يؤخر الأولى إلى آخر وقتها ولا يقدم الثانية إلى أول وقتها وهذا دليل على أنه كان يجمع أحيانا في السفر وأحيانا لا يجمع وهو الأغلب على أسفاره : أنه لم يكن يجمع بينهما .
وهذا يبين أن
الجمع ليس من سنة السفر كالقصر ; بل يفعل للحاجة سواء كان في السفر أو الحضر فإنه قد جمع أيضا في الحضر لئلا يحرج أمته .
فالمسافر إذا احتاج إلى الجمع جمع سواء كان ذلك لسيره وقت الثانية أو وقت الأولى وشق النزول عليه أو كان مع نزوله لحاجة أخرى : مثل أن يحتاج إلى النوم والاستراحة وقت الظهر ووقت العشاء فينزل وقت الظهر وهو تعبان سهران جائع محتاج إلى راحة وأكل ونوم فيؤخر الظهر إلى وقت العصر
[ ص: 65 ] ثم يحتاج أن يقدم العشاء مع المغرب وينام بعد ذلك ليستيقظ نصف الليل لسفره فهذا ونحوه يباح له الجمع .