قوله تعالى:
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا
دل القرآن في غير موضع على
مواقيت الصلوات الخمس، وجاءت السنة مفسرة لذلك ومبينة له:
[ ص: 632 ] فمن ذلك: قول الله تعالى:
أقم الصلاة لدلوك الشمس إلى غسق الليل وقرآن الفجر
وقد ذكر غير واحد من الأئمة
nindex.php?page=showalam&ids=16867كمالك nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي : أن هذه الآية تدل على الصلوات الخمس، وروي معناه عن طائفة من السلف: فقال
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر : دلوك الشمس: ميلها - يشير إلى صلاة الظهر حينئذ . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال: دلوك الشمس: إذا جاء الليل . وغسق الليل: اجتماع الليل وظلمته .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : دلوك الشمس: إذا زالت الشمس عن بطن السماء لصلاة الظهر، وغسق الليل: بدء الليل صلاة المغرب .
وقد قيل: إن الله تعالى ذكر ثلاثة أوقات، لأن أصل الأوقات ثلاثة . ولهذا تكون في حالة جواز الجمع بين الصلاتين ثلاثة فقط، فدلوك الشمس: وقت لصلاة الظهر والعصر في الجملة، وغسق الليل: وقت لصلاة المغرب والعشاء في الجملة، ثم ذكر وقت الفجر بقوله:
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا
وقد ثبت في "الصحيحين " عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=689027 "يجتمع ملائكة الليل وملائكة النهار في صلاة الفجر" ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم: وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا وكذلك قوله تعالى:
وأقم الصلاة طرفي النهار وزلفا من الليل فقوله:
طرفي النهار يدخل فيه صلاة الفجر وصلاة العصر .
[ ص: 633 ] وقد قيل: إنه يدخل فيه صلاة الظهر والعصر، لأنهما فى الطرف الأخير . وزلف الليل يدخل فيه المغرب والعشاء .
وكذا قال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة : إن زلف الليل يدخل فيه المغرب والعشاء، وإن طرفي النهار يدخل فيه الفجر والعصر .
وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن، أنه قال في قوله:
طرفي النهار قال: صلاة الفجر، والطرف الآخر الظهر والعصر
وزلفا من الليل المغرب والعشاء . وكذلك قوله:
وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها ومن آناء الليل فسبح وأطراف النهار
وفي الحديث الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=97جرير البجلي حديث الرؤية:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650521 "فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا"، ثم قرأ: وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها . وقد أدرج أكثر الرواة القراءة في الحديث، وبين بعضهم: أن
nindex.php?page=showalam&ids=97جريرا هو الذي قرأ ذلك، فبين أن صلاة الصبح وصلاة العصر يدخل في التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل غروبها، وأما التسبيح من آناء الليل فيدخل فيه صلاة المغرب وصلاة العشاء . وقوله:
وأطراف النهار يدخل فيه صلاة الفجر وصلاة العصر، وربما دخلت فيه صلاة الظهر، لأنها في أول طرف النهار الآخر . وقال تعالى:
فاصبر على ما يقولون وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل الغروب ومن الليل فسبحه وأدبار السجود
وقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=12045وأبو صالح : إن التسبيح قبل طلوع الشمس وقبل الغروب: الصبح وصلاة العصر . وقوله:
ومن الليل فسبحه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : الليل كله . وهذا يدخل فيه صلاة المغرب والعشاء، ويدخل فيه التهجد المتنفل به - أيضا .
وقال
nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف: المراد بتسبيحه من الليل: صلاة الفجر المكتوبة، وفيه بعد . وأما
وأدبار السجود فقال أكثر الصحابة، منهم:
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي . والحسن بن علي، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبو هريرة ،
وأبو أمامة وغيرهم: إنهما ركعتان بعد المغرب، وهو رواية عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، وروي عنه مرفوعا . خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي بإسناد فيه ضعف .
فاشتملت الآية على الصلوات الخمس مع ذكر بعض التطوع .
وقال تعالى:
واصبر لحكم ربك فإنك بأعيننا وسبح بحمد ربك حين تقوم ومن الليل فسبحه وإدبار النجوم
فقوله:
حين تقوم قد فسر بإرادة القيام إلى الصلاة، وهو قول
nindex.php?page=showalam&ids=15944زيد بن أسلم nindex.php?page=showalam&ids=14676والضحاك ، وفسر بالقيام من النوم، وهو قول
أبي الجود . وفسر بالقيام من المجالس .
[ ص: 635 ] وقوله:
ومن الليل فسبحه قال
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد : من الليل كله، يدخل في ذلك صلاة المغرب والعشاء وصلاة الليل المتطوع بها .
وفسره
nindex.php?page=showalam&ids=15822خصيف بصلاة الفجر، وفيه نظر .
وإدبار النجوم ركعتا الفجر كذا قاله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس في رواية، وروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس مرفوعا .
خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي وفيه ضعف .
وقال تعالى:
فسبحان الله حين تمسون وحين تصبحون وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا وحين تظهرون
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12251الإمام أحمد : نا
nindex.php?page=showalam&ids=16349ابن مهدي: نا
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم ، عن
أبي رزين . قال: جاء
نافع بن الأزرق إلى
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، فقال: الصلوات الخمس في القرآن؟ فقال: نعم، فقرأ:
فسبحان الله حين تمسون قال: صلاة المغرب
وحين تصبحون صلاة الفجر
وعشيا صلاة العصر
وحين تظهرون صلاة الظهر، وقرأ:
ومن بعد صلاة العشاء ثلاث عورات لكم ورواه
nindex.php?page=showalam&ids=11790آدم بن أبي إياس في "تفسيره" عن
nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16273عاصم . قال: جاء
nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع - ولم يذكر
أبا رزين .
وروى
آدم - أيضا -: نا
nindex.php?page=showalam&ids=16101شريك، عن
nindex.php?page=showalam&ids=16861ليث بن أبي سليم ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة ، عن
أبي البختري ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس ، قال: جمعت هذه الآية الصلوات كلها - فذكره بمعناه، ولم يذكر فيه: صلاة العشاء .
[ ص: 636 ] روي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة في قوله تعالى:
فسبحان الله حين تمسون قال: صلاة المغرب والعشاء،
وحين تصبحون صلاة الغداة .
وله الحمد في السماوات والأرض وعشيا قال: العصر .
وحين تظهرون قال: الظهر .
خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13933البيهقي وغيره .
* * *
[قال
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ] : حدثنا
عبد الله بن يوسف: أنبأ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11863أبي الزناد ، عن
الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650522 "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يعرج الذين كانوا فيكم، فيسألهم - وهو أعلم بهم -: كيف تركتم عبادي; فيقولون: تركناهم وهم يصلون، وأتيناهم وهم يصلون " .
قوله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650522 "يتعاقبون فيكم ملائكة" جمع فيه الفعل مع إسناده إلى ظاهر، وهو مخرج على اللغة المعروفة بلغة "أكلوني البراغيث "، وقد عرفها بعض متأخري النحاة بهذا الحديث، فقال: "هي لغة: يتعاقبون فيكم ملائكة" .
والتعاقب: التناوب والتداول، والمعنى: أن كل ملائكة تأتي تعقب الأخرى .
وقد دل الحديث على أن ملائكة الليل غير ملائكة النهار .
وقد خرجا في "الصحيحين " من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري ، عن
سعيد وأبي [ ص: 637 ] سلمة، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم -، قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650612 "تجتمع ملائكة الليل، وملائكة النهار في صلاة الفجر" . ثم يقول nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة : اقرءوا إن شئتم: إن قرآن الفجر كان مشهودا
ففي هذه الرواية: ذكر اجتماعهم في صلاة الفجر، واستشهد
nindex.php?page=showalam&ids=3أبو هريرة بقول الله عز وجل:
إن قرآن الفجر كان مشهودا وقد روي في حديث من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=4أبي الدرداء - مرفوعا -:
"أنه يشهده الله وملائكته " .
وفي رواية:
nindex.php?page=hadith&LINKID=690594 "ملائكة الليل وملائكة النهار،
خرجه
nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني وابن منده وغيرهما .
فقد يكون تخصيص صلاة الفجر لهذا، وصلاة العصر يجتمع - أيضا - فيها ملائكة الليل والنهار، كما دل عليه حديث
الأعرج ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . وقد روي نحوه من حديث
حميد الطويل ، عن
بكر المزني، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - مرسلا . وهؤلاء الملائكة، يحتمل أنهم المعقبات، وهم الحفظة، ويحتمل أنهم كتبة الأعمال .
وروى
أبو عبيدة ، عن أبيه
nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ، في قوله:
إن قرآن الفجر كان مشهودا قال: يعني صلاة الصبح، يتدارك فيه الحرسان ملائكة الليل وملائكة النهار .
[ ص: 638 ] وقال
إبراهيم، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13705الأسود بن يزيد : يلتقي الحارسان من ملائكة الليل وملائكة النهار عند صلاة الصبح، فيسلم بعضهم على بعض، ويحيي بعضهم بعضا، فتصعد ملائكة الليل وتبسط ملائكة النهار .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : وكل بابن
آدم خمسة أملاك: ملكا الليل، وملكا النهار . يجيئان ويذهبان، والخامس لا يفارقه ليلا ولا نهارا .
وممن قال: إن
ملائكة الليل وملائكة النهار تجتمع في صلاة الفجر . وفسر بذلك قول الله عز وجل:
وقرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهودا nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد nindex.php?page=showalam&ids=17073ومسروق وغيرهما .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر : والأظهر أن ذلك في الجماعات، قال: وقد يحتمل الجماعات وغيرها .
قلت: يشهد للأول قول النبي - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=650738 "إذا أمن الإمام فأمنوا، فمن وافق تأمينه تأمين الملائكة غفر له ما تقدم من ذنبه " . ونهى النبي - صلى الله عليه وسلم - من أكل الثوم أن يشهد المسجد، وتعليله:
nindex.php?page=hadith&LINKID=695471أن الملائكة تتأذى مما يتأذى منه بنو آدم .
وقد بوب
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري على اختصاصه بالجماعات في "أبواب صلاة الجماعة" . كما سيأتي في موضعه - إن شاء الله تعالى .
ويشهد للثاني: أن المصلي ينهى عن أن يبصق في صلاته عن يمينه; لأن
[ ص: 639 ] عن يمينه ملكا، ولا يفرق في هذا بين مصلي جماعة وفرادى .