يقول (تعالى) - مخاطبا نبيه
موسى - عليه السلام -:
وأنا اخترتك كرر الضمير؛ تأكيدا لخطابه - سبحانه وتعالى -؛ ولإيناسه؛ وإزالة الاستغراب؛ و "اخترتك "؛ معناه أنه اختاره لرسالته؛ كما قال (تعالى) - في آية أخرى -:
إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي فخذ ما آتيتك وكن من الشاكرين
وقوله (تعالى):
فاستمع لما يوحى الفاء للعطف؛ وللترتيب؛ والتعقيب؛ فالاستماع لما يوحى الأمر به مترتب على الاختيار له؛ أو هو موضوع الاختيار ذاته؛ وما يوحى إليه هو التوراة؛ وما فيها من شرائع؛ وأحكام؛ وأساسها عقيدة صحيحة مستقيمة؛ هي ما تضمنه قوله (تعالى):
إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري لهذه الجملة السامية بيان لمعنى ما يوحي الله به؛ مما يجب الاستماع له؛ والأخذ به؛ وتبليغه؛ وأن يخاطب به فرعون؛ وما ذكره في هذا المقام هو لب التدين؛ فلب التدين
هو عبادة الله وحده؛ وإقامة الصلاة لذكر الله (تعالى)؛ والخشوع؛ والركوع؛ والسجود؛ فالصلاة كلها ذكر لله (تعالى)؛ وهي شرعت لتمتلئ القلوب بالله؛ ولتكون مطمئنة لذكر الله (تعالى):
ألا بذكر الله تطمئن القلوب ؛ وذكر الله (تعالى) هو الذي ينقي القلوب من أدران الهوى؛ والقلوب التي تذكر الله (تعالى) لا يدخلها الشيطان؛ ولا يسكن الشيطان إلا القلوب الفارغة من ذكر الله (تعالى)؛ ولقد قال
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري - في معنى
وأقم الصلاة لذكري -: "لذكري ": أي:
[ ص: 4711 ] لتذكرني؛ فإن ذكري أن أعبد؛ ويصلى لي؛ أو لتذكرني فيها؛ لاشتمال الصلاة على الأذكار... أو لذكري خاصة؛ لا تشوبه بذكر غيري؛ أو لإخلاص ذكري؛ وطلب وجهي؛ لا ترائي بها؛ ولا تقصد بها غرضا آخر؛ أو لتكون لي ذاكرا غير ناس؛ فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على بال منهم؛ وتوكيل هممهم وأفكارهم به؛ كما قال (تعالى):
لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله ؛ هذه معان متوافقة غير متضاربة لكلمة "لذكري "؛ ولتوافقها صح أن تكون كلها داخلة في معنى هذه الكلمة السامية؛ "لذكري ".