[ ص: 5058 ] ولقد بين - سبحانه وتعالى - بعد ذلك
نعمه على خلقه؛ في صلة الأرض بما فوقها؛ فقال (تعالى):
وأنـزلنا من السماء ماء بقدر فأسكناه في الأرض وإنا على ذهاب به لقادرون ؛ يمن الله علينا؛ وله المن والفضل؛ بأننا نعيش في الأرض برخاء؛ ونجد حاجاتنا منها موفورة؛ وأسبابها قائمة بقوله:
وأنـزلنا من السماء ماء بقدر ؛ أي: بمقدار مصلح للأرض على أن يكون غيثا؛ لا عتيا؛ فالمطر الزائد؛ كالسيل الجارف؛ لا يكون غيثا؛ بل يكون عتيا؛ ويهدد الله به الظالمين من الناس؛ كالسيل الذي أغرق قوم
نوح؛ فقوله (تعالى):
بقدر ؛ أي: على القدر الذي تعنيه الحاجات؛ ويكون إصلاحا؛ ولا يكون فيه فساد للزرع والضرع؛ ويقول - سبحانه -:
فأسكناه في الأرض ؛ أي: جعلنا في الأرض مستقرا له؛ كأنما يسكنها؛ كما يأوي الآوي إلى مسكنه؛ وذلك أن ما تنزله السماء قسمان: قسم عارض ممطر؛ يغيث في وقت الجدب؛ ولا ينزل بانتظام كالمطر الذي ينزل بالاستسقاء؛ كما كان النبي - صلى الله عليه وسلم - يستسقي؛ ومن بعده أهل الصلاح والتقوى؛ وقسم يجري في أنهار؛ ويسلك ينابيع الأرض في عيون؛ وهذا يسكنه الأرض؛ كنهر النيل؛ فإنه ينزل على الجبال؛ وفي البحيرات التي تمده؛ وهذا يبدو كأنه الساكن في الأرض؛ وإن كان في سير دائم؛ من منبعه إلى مصبه؛ وهذا وأشباهه يوجد الخصب والنماء بإذن الله (تعالى)؛ ومن الناس من اعتقد أنه دائم لا يغيض؛ ولذا قال (تعالى):
وإنا على ذهاب به لقادرون ؛ أي: إنا على إذهابه لقادرون؛ والباء للتعدية؛ ولقوة الإذهاب كقوله (تعالى):
ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم ؛ وإن مثل الأنهار العيون؛ فهي ينابيع في الأرض؛ قد اختزنتها الأرض في جوفها؛ وهي لله؛
قل أرأيتم إن أصبح ماؤكم غورا فمن يأتيكم بماء معين