انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلوا فلا يستطيعون سبيلا ؛ الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم -؛ و
ضربوا ؛ معناها بينوا؛ و
الأمثال ؛ هي الأحوال المتشابهة في زعم القائل؛ أي: انظر كيف حاولوا أن تكون الرسالة مع ملك من السماء يكون ردءا للرسول في إنذاره؛ ثم كيف حاولوا أن يجعلوه كالملك الذي تجري كنوز الأرض تحت يديه؛ أو كحواشي الملوك الذين يقطنون الإقطاعات الواسعة؛ حاولوا عقد المشابهة بين هذه الأحوال والرسالة؛ وهذه أمور دنيوية تنأى عن معنى الرسالة؛ ولذا قال (تعالى):
فضلوا ؛ الفاء لترتيب ما بعدها على ما قبلها؛ أي: بسبب زعمهم هذه المشابهات ضلوا؛ وبعدوا عن الحق؛ وأوغلوا؛ فشبهوا رسالة الله برسالة الناس؛ وأنه يكون معها شاهد من قبل المرسل؛ كملك؛ وشبهوا الرسول بالملك الغني؛ أو حاشيته؛ وكل هذه تشبيهات باطلة في أصل موضوعها؛ وفي أوصاف الموضوع؛ فليس الله كأحد من خلقه؛ إنما معجزته هي الشاهد؛
[ ص: 5254 ] وليس النبي ملكا؛ أو حاشية لملك؛ فضلوا بسبب تلك الأمثال؛ ومن ضل في الطريق يسير في ضلاله إلى أقصى مداه؛ ولذا قال - سبحانه -:
فلا يستطيعون سبيلا ؛ الفاء عاطفة؛ أي أنه يتبع هذا الضلال أن صاروا في عماية من أمرهم؛ لا يستطيعون الهداية؛ ولا يستطيعون معرفة سبيل للنجاة من الضلالة التي أوقعوا فيها أنفسهم بعمايتهم وجهالتهم؛ وذلك لما أصابهم من غشاوة؛ وضلال؛ وحيرة في الطرق.