(النسخ في القرآن الكريم )
لا بد قبل أن نبدي رأينا في
النسخ في القرآن الكريم أن نقرر حقائق ثلاثا لا بد من بيانها أو الإشارة إليها ، نكتفي هنا بالإشارة إليها :
الحقيقة الأولى : أن القرآن الكريم نسخ من الشرائع السابقة التي أتى بها الوحي وهي الشرائع السماوية ، فما بقي منها أبقاه القرآن الكريم ، ونص على بقائها كبعض أحكام القصاص ، وكتحريم الربا ، وكتحريم المحرمات وغير ذلك ، وكان النص عليه في القرآن الكريم دليلا على بقائه من غير نسخ .
الحقيقة الثانية أن النسخ جرى في السنة ، ذلك أن السنة كما تتولى بيان الأحكام تتولى علاج المسائل الوقتية ، ويختلف الحكم الوقتي في بعض الأوقات عنه في بعضها ; ولذا جرى النسخ في السنة .
[ ص: 41 ] الحقيقة الثالثة : أن القرآن الكريم سجل هذه الشريعة الخالدة ، بل سجل الشرائع السماوية ، ومعجزات النبيين جميعا ، وما نسخ منها أشار إلى نسخه ، وما بقي منها صرح ببقائه ، كالقصاص ، وخصوصا في الأطراف ، كما جاء في قوله تعالى :
وكتبنا عليهم فيها أن النفس بالنفس والعين بالعين والأنف بالأنف والأذن بالأذن والسن بالسن والجروح قصاص فمن تصدق به فهو كفارة له ومن لم يحكم بما أنـزل الله فأولئك هم الظالمون .
ولذا نحن نرى ما رآه من قبل
أبو مسلم الأصفهاني ، وهو أنه لا نسخ في القرآن قط ; لأنه شريعة الله تعالى الباقية إلى يوم القيامة ، ولأن النسخ لم يثبت بنص عن النبي - صلى الله عليه وسلم - ، وأنه لم يصرح النبي - صلى الله عليه وسلم - بنسخ آية من القرآن ، وما جاء من عبارات النسخ في القرآن إنما في نسخ المعجزات الحسية بالقرآن الكريم ، وقد بينا ذلك في موضعه من معاني الذكر الحكيم .
ولأن النسخ يقتضي أن تكون آيتان في القرآن موضعهما واحد ، وإحداهما مثبتة والأخرى نافية ، ولا يمكن الجمع بين النفي والإثبات ، وما ادعي النسخ فيه التوفيق بينهما سهل ممكن ، وما أمكن التوفيق فلا نسخ ، وقد اشتركنا في كتابة التفسير مع بعض العلماء ولم نجد آيتين متعارضتين لم يمكن التوفيق بينهما ، وقد طبع ذلك التفسير وسمي بـ " المنتخب " طبعته إحدى الجامعات الإسلامية ، والله الهادي إلى سواء السبيل .
[ ص: 42 ]