[فصل]
في
رفع الصوت بالقراءة :
[ ص: 104 ] هذا فصل مهم ينبغي أن يعتنى به.
اعلم أنه جاء أحاديث كثيرة في الصحيح وغيره دالة على استحباب رفع الصوت بالقراءة، وجاءت آثار دالة على استحباب الإخفاء وخفض الصوت.
وسنذكر منها طرفا يسيرا؛ إشارة إلى أصلها إن شاء الله تعالى:
[ ص: 105 ] قال الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=14847أبو حامد الغزالي وغيره من العلماء: وطريق الجمع بين الأحاديث والآثار المختلفة في هذا أن الإسرار أبعد من الرياء، فهو أفضل في حق من يخاف ذلك، فإن لم يخف الرياء فالجهر ورفع الصوت أفضل؛ لأن العمل فيه أكثر؛ ولأن فائدته تتعدى إلى غيره، والمتعدي أفضل من اللازم؛ ولأنه يوقظ قلب القارئ، ويجمع همه إلى الفكر فيه، ويصرف سمعه إليه، ويطرد النوم، ويزيد في النشاط، ويوقظ غيره من نائم وغافل وينشطه.
قالوا: فمهما حضره شيء من هذه النيات فالجهر أفضل، فإن اجتمعت هذه النيات تضاعف الأجر.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14847الغزالي : ولهذا قلنا:
القراءة في المصحف أفضل، فهذا حكم المسألة.
وأما الآثار المنقولة فكثيرة، وأنا أشير إلى أطراف من بعضها:
ثبت في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة - رضي الله عنه - قال سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=658327ما أذن الله لشيء ما أذن لنبي حسن الصوت يتغنى بالقرآن يجهر به رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
ومعنى (أذن) استمع، وهو إشارة إلى الرضا والقبول.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري - رضي الله عنه - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=654660لقد أوتيت مزمارا من مزامير آل داود رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
[ ص: 106 ] وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=17080لمسلم أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له:
nindex.php?page=hadith&LINKID=658330لقد رأيتني وأنا أستمع لقراءتك البارحة رواه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=134بريدة بن الحصيب .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=16789فضالة بن عبيد - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=677843لله أشد أذنا إلى الرجل حسن الصوت بالقرآن من صاحب القينة إلى قينته رواه
nindex.php?page=showalam&ids=13478ابن ماجه .
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى أيضا قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=653906إني لأعرف أصوات رفقة الأشعريين بالليل حين يدخلون، وأعرف منازلهم من أصواتهم بالقرآن بالليل، وإن كنت لم أر منازلهم حين نزلوا بالنهار رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
[ ص: 107 ] وعن
nindex.php?page=showalam&ids=48البراء بن عازب - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -:
nindex.php?page=hadith&LINKID=667266زينوا القرآن بأصواتكم رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي وغيرهما.
وروى
nindex.php?page=showalam&ids=11998ابن أبي داود ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي - رضي الله عنه - أنه سمع ضجة ناس في المسجد يقرؤون القرآن، فقال: طوبى لهؤلاء كانوا أحب الناس لرسول الله صلى الله عليه وسلم .
وفي إثبات الجهر أحاديث كثيرة.
وأما الآثار عن الصحابة والتابعين من أقوالهم وأفعالهم فأكثر من أن تحصر، وأشهر من أن تذكر، وهذا كله فيمن لا يخاف رياء ولا إعجابا ولا نحوهما من القبائح، ولا يؤذي جماعة يلبس عليهم صلاتهم، ويخلطها عليهم.
وقد نقل عن جماعة السلف اختيار
الإخفاء لخوفهم مما ذكرناه.
فعن
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش قال: دخلت على
إبراهيم وهو يقرأ بالمصحف، فاستأذن عليه رجل فغطاه، وقال: لا يرى هذا أني أقرأ كل ساعة.
وعن
nindex.php?page=showalam&ids=11873أبي العالية قال: كنت جالسا مع أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم ورضي الله عنهم - فقال رجل منهم: قرأت الليلة كذا، فقالوا: هذا حظك منه .
[ ص: 108 ] ويستدل لهؤلاء بحديث
nindex.php?page=showalam&ids=27عقبة بن عامر - رضي الله عنه – قال: سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم – يقول:
nindex.php?page=hadith&LINKID=665213الجاهر بالقرآن كالجاهر بالصدقة، والمسر بالقرآن كالمسر بالصدقة رواه
nindex.php?page=showalam&ids=11998أبو داود nindex.php?page=showalam&ids=13948والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي : حديث حسن.
قال: ومعناه: أن
الذي يسر بقراءة القرآن أفضل من الذي يجهر بها ، لأن صدقة السر أفضل عند أهل العلم من صدقة العلانية.
قال: وإنما معنى هذا الحديث عند أهل العلم لكي يأمن الرجل من العجب؛ لأن الذي يسر بالعمل لا يخاف عليه من العجب كما يخاف عليه من علانيته.
قلت: وكل هذا موافق لما تقدم تقريره في أول الفصل من التفصيل، وأنه إن خاف بسبب الجهر شيئا مما يكره لم يجهر، وإن لم يخف استحب الجهر، فإن كانت القراءة من جماعة مجتمعين تأكد استحباب الجهر لما قدمناه، ولما يحصل فيه من نفع غيرهم، والله أعلم.