( قوله وهذا شوط ) ظاهر المذهب أن كلا من الذهاب إلى المروة والمجيء منه إلى الصفا شوط ، وعند nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي لا ، فقيل : الرجوع إلى الصفا ليس معتبرا من الشوط بل لتحصيل الشوط الثاني ، ويعطي بعض العبارات أنه من الصفا إلى الصفا لما ذكروا في وجه إلحاقه بالطواف ، حيث كان من المبدإ أعني الحجر إلى المبدإ وعنده في مراده من ذلك اشتباه ، وأياما كان فإبطاله بحديث جابر الطويل حيث قال فيه { nindex.php?page=hadith&LINKID=83145فلما كان آخر طوافه بالمروة قال : لو استقبلت من أمري } الحديث لا ينتهض . أما على الأول فلأن آخر السعي عند nindex.php?page=showalam&ids=14695الطحاوي لا شك أنه [ ص: 460 ] بالمروة ورجوعه عنها إلى حال سبيله ، فإنه إنما كان يحتاج إلى الرجوع إلى الصفا ليفتتح الشوط وقد تم السعي .
وعلى الثاني إذا كان الشرط الأخير صح أن يقال عند رجوعه فيه من المروة هذا آخر طوافه بالمروة ، لأنه لا يرجع بعد هذه الوقفة بها إليها . وإن احتاج إلى رجوعه إلى الصفا لتتميم الشوط ، وما دفع به أيضا من أنه لو كان كذلك لكان الواجب أربعة عشر شوطا ، وقد اتفق رواة نسكه عليه الصلاة والسلام أنه إنما طاف سبعة فموقوف على أن مسمى الشرط ما من الصفا إلى المروة أو من الصفا إلى الصفا في الشرع وهو ممنوع ، إذ يقول : هذا اعتباركم لا اعتبار الشرع لعدم النقل عنه عليه الصلاة والسلام في ذلك ، وأقل الأمور إذا لم يثبت عن الشارع تنصيص في مسماه أن يثبت احتمال أنه كما قلتم ، وكما قلت ، فيجب الاحتياط فيه ، وذلك باعتبار قولي فيه ويقويه أن لفظ الشوط أطلق على ما حوالي البيت . وعرف قطعا أن المراد به ما من المبدإ إلى المبدإ ، فكذا إذا أطلق في السعي إذ لا منصص على المراد .
فيجب أن يحمل على المعهود منه في غيره ، فالوجه أن إثبات مسمى الشوط في اللغة يصدق على كل من الذهاب من الصفا إلى المروة والرجوع منها إلى الصفا ، وليس في الشرع ما يخالفه فيبقى على المفهوم اللغوي .
وذلك أنه في الأصل مسافة يعدوها الفرس كالميدان ونحوه مرة واحدة ، ومنه قول nindex.php?page=showalam&ids=123سليمان بن صرد nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي رضي الله عنه : إن الشوط بطيء : أي بعيد ، وقد بقي من الأمور ما تعرف به صديقك من عدوك ، فسبعة أشواط حينئذ قطع مسافة مقدرة سبع مرات ، فإذا قال : طاف بين كذا وكذا سبعا صدق بالتردد من كل من الغايتين إلى الأخرى سبعا ، بخلاف طاف بكذا فإن حقيقته متوقفة على أن يشمل بالطواف ذلك الشيء ، فإذا قال : طاف به سبعا ، كان بتكريره تعميمه بالطواف سبعا ، فمن هنا افترق الحال بين الطواف بالبيت حيث لزم في شوطه كونه من المبدإ إلى المبدإ ، والطواف بين الصفا والمروة حيث لم يستلزم ذلك
( قوله لقوله عليه الصلاة والسلام ابدءوا ) اعلم أنه روي بصيغة الخبر " أبدأ " في nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم من حديث جابر الطويل [ ص: 461 ] ونبدأ " في رواية أبي داود والترمذي nindex.php?page=showalam&ids=13478وابن ماجه nindex.php?page=showalam&ids=16867ومالك في الموطأ ، وبصيغة الأمر وهو المذكور في الكتاب وهو عند nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي nindex.php?page=showalam&ids=14269والدارقطني . وهو مفيد الوجوب خصوصا مع ضميمة قوله عليه الصلاة والسلام { nindex.php?page=hadith&LINKID=83149لتأخذوا عني مناسككم ، فإني لا أدري لعلي لا أحج بعد حجتي هذه } أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم . فعن هذا مع كون نفس السعي واجبا لو افتتح من المروة لم يعتبر ذلك الشوط إلى الصفا ، وهذا لأن ثبوت شرط الواجب بمثل ما يثبت به أقصى حالاته وهو مما يثبت بالآحاد فكذا شرطه .
ورواه nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة في مصنفه : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16925محمد بن بشر حدثنا عبد الله بن المؤمل حدثنا عبد الله بن أبي حسين عن nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء عن حبيبة بنت أبي تجزأة فذكره .
وخطئ nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة فيه حيث أسقط nindex.php?page=showalam&ids=10941صفية بنت شيبة وجعل مكان ابن محيصن ابن أبي حسين . قال ابن القطان : نسبة الوهم إلى ابن المؤمل أولى ، وطعن في حفظه مع [ ص: 462 ] أنه اضطرب في هذا الحديث كثيرا ، فأسقط nindex.php?page=showalam&ids=16568عطاء مرة وابن محيصن أخرى ، nindex.php?page=showalam&ids=10941وصفية بنت شيبة ، وأبدل ابن محيصن بابن أبي حسين ، وجعل المرأة عبدرية تارة ويمنية أخرى .
وفي الطواف تارة ، وفي السعي بين الصفا والمروة أخرى ا هـ .
وهذا لا يضر بمتن الحديث إذ بعد تجويز المتقنين له لا يضره تخليط بعض الرواة ، وقد ثبت من طرق عديدة منها طريق nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك : أخبرني معروف بن مشكان أخبرني منصور بن عبد الرحمن عن أخته صفية قالت { nindex.php?page=hadith&LINKID=83150أخبرني نسوة من بني عبد الدار اللاتي أدركن رسول الله صلى الله عليه وسلم قلن دخلنا دار ابن أبي حسين فرأينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يطوف } إلخ ، قال صاحب التنقيح : إسناده صحيح . والجواب : أنا قد قلنا بموجبه إذ مثله لا يزيد على إفادة الوجوب ، وقد قلنا به ، أما الركن فإنما يثبت عندنا بدليل مقطوع به ، فإثباته بهذا الحديث إثبات بغير دليل ، فحقيقة الخلاف في أن مفاد هذا الدليل ماذا ؟ والحق فيه ما قلنا . لأن نفس الشيء ليس إلا ركنه وحده أو مع شيء آخر .
فإذا كان ثبوت ذلك الشيء قطعيا لزم في ثبوت أركانه القطع لأن ثبوتها هو ثبوته ، فإذا فرض القطع به كان ذلك للقطع بها . وتقدم مثل هذا في مسألة قراءة الفاتحة في الصلاة ، وإذا تحققت هذا فجواب المصنف بتأويله بمعنى كتب استحبابا كقوله تعالى { كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية } مناف لمطلوبه ، فكيف يحمل عليه بعض الأدلة ؟ بل العادة التأويل بما يوافق للمطلوب فكيف ولا مفيد للوجوب فيما نعلم سواه ؟ فنحن محتاجون إليه في إثبات الدعوى ، فإن الآية وهي { فلا جناح عليه أن يطوف بهما } وقراءة nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه في مصحفه فلا جناح عليه أن لا يطوف بهما لا يفيد الوجوب ، والإجماع لم يثبت على الوجوب بالمعنى الذي يقول به ، إذ ليس هو معنى الفرض الموجب فواته عدم الصحة فالثابت الخلاف ، والفريقان متمسكهم الحديث المذكور فلا يجوز أن يصرف عن الوجوب مع أنه حقيقته إلى ما ليس معناه بلا موجب ، بل مع ما يوجب عدم الصرف بخلاف لفظ " كتب " في الوصية للصارف هناك .
واعلم أن سياق الحديث يفيد أن الراد بالسعي المكتوب الجري الكائن في بطن الوادي إذا راجعته ، لكنه غير مراد بلا خلاف يعلم . فيحمل على أن المراد بالسعي التطوف بينهما ، اتفق أنه عليه الصلاة والسلام قاله لهم عند الشروع في الجري الشديد المسنون لما وصل إلى محله شرعا أعني بطن الوادي ، ولا يسن جري شديد في غير هذا المحل بخلاف الرمل في الطواف ، إنما هو مشي فيه شدة وتصلب .
ثم قيل : في سبب شرعية الجري في بطن الوادي " إن هاجر رضي الله عنها لما تركها إبراهيم عليه الصلاة والسلام عطشت فخرجت تطلب الماء وهي تلاحظ إسماعيل عليه السلام خوفا عليه . فلما وصلت إلى بطن الوادي تغيب عنها فسعت لتسرع الصعود فتنظر إليه " فجعل ذلك نسكا إظهارا لشرفهما وتفخيما لأمرهما ، وعن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما " أن إبراهيم عليه الصلاة والسلام لما أمر بالمناسك عرض الشيطان له عند السعي فسابقه فسبقه إبراهيم عليه الصلاة والسلام " أخرجه nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد .
وقيل : إنما سعى سيدنا ونبينا عليه الصلاة والسلام إظهارا للمشركين الناظرين إليه في الوادي الجلد [ ص: 463 ] ومحمل هذا الوجه ما كان من السعي في عمرة القضاء ثم بقي بعده كالرمل إذ لم يبق في حجة الوداع مشرك بمكة . والمحققون على أن لا يشتغل بطلب المعنى فيه ، وفي نظائره من الرمي وغيره بل هي أمور توقيفية يحال العلم فيها إلى الله تعالى