الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وهذا الطواف [ ص: 497 ] هو المفروض في الحج ) وهو ركن فيه إذ هو المأمور به في قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } ويسمى طواف الإفاضة وطواف يوم النحر ( ويكره تأخيره عن هذه الأيام ) لما بينا أنه موقت بها ( وإن أخره عنها لزمه دم عند أبي حنيفة رحمه الله ) وسنبينه في باب الجنايات إن شاء الله تعالى . قال ( ثم يعود إلى منى فيقيم بها ) لأن النبي عليه الصلاة والسلام رجع إليها كما روينا ، ولأنه بقي عليه الرمي وموضعه بمنى ( فإذا زالت الشمس من اليوم الثاني من أيام النحر رمى الجمار الثلاث فيبدأ بالتي تلي مسجد الخيف فيرميها بسبع حصيات يكبر مع كل حصاة ويقف عندها ، ثم يرمي التي مثل ذلك ويقف عندها ، ثم يرمي جمرة العقبة كذلك ولا يقف عندها ) هكذا روى جابر رضي الله عنه فيما نقل من نسك رسول الله عليه الصلاة والسلام مفسرا ، ويقف عند الجمرتين في المقام الذي يقف فيه الناس ويحمد الله ويثني عليه ويهلل ويكبر ويصلي على النبي عليه الصلاة والسلام ، ويدعو بحاجته ويرفع [ ص: 498 ] يديه لقوله عليه الصلاة والسلام { لا ترفع الأيدي إلا في سبع مواطن } وذكر من جملتها عند الجمرتين . والمراد رفع الأيدي بالدعاء . وينبغي أن يستغفر للمؤمنين في دعائه في هذه المواقف لقول النبي عليه الصلاة والسلام { اللهم اغفر للحاج ولمن استغفر له الحاج } ثم الأصل أن كل رمي بعده رمي يقف بعده لأنه في وسط العبادة فيأتي بالدعاء فيه ، وكل رمي ليس بعده رمي لا يقف لأن العبادة قد انتهت ، ولهذا لا يقف بعد جمرة العقبة في يوم النحر أيضا .

التالي السابق


( قوله إذ هو المأمور به في قوله تعالى { وليطوفوا بالبيت العتيق } ) على ذلك إجماع المسلمين ( قوله كما روينا ) يعني قريب من قوله " إن النبي صلى الله عليه وسلم لما حلق أفاض إلى مكة فطاف بالبيت " إلخ ( قوله وإذا زالت الشمس إلخ ) أفاد أن وقت الرمي في اليوم الثاني لا يدخل إلا بعد الزوال ، وكذا في اليوم الثالث وسيتبين ( قوله فيبتدئ بالتي تلي مسجد الخيف إلخ ) هل هذا الترتيب متعين أو لا ؟ مختلف فيه ، ففي المناسك لو بدأ في اليوم الثاني بجمرة العقبة ثم بالوسطى ثم بالتي تلي مسجد الخيف ، فإن أعاد على الوسطى ثم على العقبة في يومه فحسن لأن الترتيب سنة وإن لم يعد أجزأه . وفي المحيط : فإن رمى كل جمرة بثلاث أتم الأولى بأربع ثم أعاد الوسطى بسبع ثم العقبة بسبع ، وإن كان رمى كل واحدة بأربع أتم كل واحدة بثلاث ثلاث ولا يعيد لأن للأكثر حكم الكل وكأنه رمى الثانية والثالثة بعد الأولى ، وإن استقبل رميها فهو أفضل .

وعن محمد : لو رمى الجمرات الثلاث فإذا في يده أربع حصيات لا يدري من أيتهن هن يرميهن على الأولى ويستقبل الباقيتين لاحتمال أنها من الأولى فلم يجز رمي الأخريين ، ولو كن ثلاثا أعاد على كل جمرة واحدة ، ولو كانت حصاة أو حصاتين أعاد على كل واحدة واحدة ويجزيه لأنه رمى كل واحدة بأكثرها ا هـ .

وهذا صريح في الخلاف ، والذي يقوى عندي استنان الترتيب لا تعينه ، والله سبحانه وتعالى أعلم . بخلاف تعيين الأيام كلها للرمي ، والفرق لا يخفى على محصل . ولو ترك حصاة من البعض لا يدري من أيتها أعاد لكل واحدة حصاة ليبرأ بيقين . ولو رمى في اليوم الثاني الوسطى والثالثة ولم يرم الأولى ( جمرة العقبة ) ، فإن رمى الأولى وأعاد على الباقيتين فحسن ، وإن رمى الأولى وحدها جاز ، والله أعلم ( قوله ويقف عندها ) أي عند الجمرة بعد تمام الرمي لا عند كل حصاة ، وقوله هكذا روى جابر . الذي في حديث جابر الطويل إنما هو التعرض لرمي جمرة العقبة ليس غير ، وغير ذلك يعرف في حديث جابر .

وحديث ابن عمر الذي قدمناه من البخاري وهو قوله { كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا رمى الجمرة الأولى } إلخ يبين كيفية الوقوف وموضعه ، وأنه صلى الله عليه وسلم كان يطيله رافعا يديه ، فارجع إليه تستغن به عنه وعن حديث { لا ترفع الأيدي إلا [ ص: 498 ] في سبع مواطن } مع زيادات أخر . وقوله في المقام الذي يقف فيه الناس تعيين لمحله وإفادة أنه لم يتغير بل الناس توارثوه فما هم عليه هو الذي كان .

وقال في النهاية نقلا : يريد بالمقام الذي يقوم فيه الناس أعلى الوادي ، والذي صرح به حديث ابن عمر أنه ينحدر في الأولى أمامها فيقف ، وينحدر في الثانية ذات اليسار مما يلي الوادي ، وكان ابن عمر يفعله في حديث البخاري .

وفي البخاري أيضا عن سالم عن ابن عمر { أنه كان يرمي الجمرة الدنيا بسبع حصيات يكبر على إثر كل حصاة ، ثم يتقدم فيسهل ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا يدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الجمرة الوسطى كذلك فيأخذ ذات الشمال فيسهل ويقوم مستقبل القبلة قياما طويلا فيدعو ويرفع يديه ، ثم يرمي الجمرة ذات العقبة من بطن الوادي ولا يقف عندها ويقول هكذا رأيته عليه الصلاة والسلام يفعل هذا } . وإنما يرفع يديه حذاء منكبيه قيل يقف قدر سورة البقرة . ومن كان مريضا لا يستطيع الرمي يوضع في يده ويرمي بها أو يرمي عنه غيره ، وكذا المغمى عليه . ولو رمى بحصاتين إحداهما لنفسه والأخرى لآخر جاز ويكره ، ولا ينبغي أن يترك صلاة الجماعة مع الإمام بمسجد الخيف . ويكثر من الصلاة فيه أمام المنارة عند الأحجار




الخدمات العلمية