( وإن كان النشوز من قبله يكره له أن يأخذ منها عوضا ) لقوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } إلى أن قال { فلا تأخذوا منه شيئا } ولأنه أوحشها بالاستبدال فلا يزيد في وحشتها بأخذ المال [ ص: 216 ] ( وإن كان النشوز منها كرهنا له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها ) وفي رواية الجامع الصغير طاب الفضل أيضا لإطلاق ما تلونا بدءا . ووجه الأخرى قوله صلى الله عليه وسلم في امرأة ثابت بن قيس بن شماس { أما الزيادة فلا } [ ص: 217 ] وقد كان النشوز منها ( ولو أخذ الزيادة جاز في القضاء ) وكذلك إذا أخذ والنشوز منه لأن مقتضى ما تلونا شيئان الجواز حكما والإباحة ، وقد ترك العمل في حق الإباحة لمعارض فبقي معمولا في الباقي .
( قوله وإن كان النشوز من قبله ) [ ص: 216 ] كره له أن يأخذ منها شيئا لقوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } نهى عن الأخذ منها عند عدم نشوزها وكونه منه .
وتقدم ما قيل من أن ثبوت الكراهة دون التحريم للمعارضة وليس بشيء إذ لا معارضة في التحريم ، فإن إطلاق نفي الجناح في آية المطلقة مقيدا بالمشاقة فإن الآية هكذا ( ولا يحل لكم أن تأخذوا مما آتيتموهن شيئا إلا أن يخافا أن لا يقيما حدود الله ، فإن خفتم أن لا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به ) والنهي في الآية الأخرى مقيد بانفراده بالنشوز فلا يتلاقيان فلا تعارض في حرمة الأخذ . على أنه لو تعارضا كان التحريم ثابتا بالعمومات القطعية ، فإن الإجماع على حرمة أخذ مال المسلم بغير حق وفي إمساكها لا لرغبة بل إضرارا وتضييقا ليقتطع مالها في مقابلة خلاصها من الشدة التي هي فيها معه ذلك وقال تعالى { ولا تمسكوهن ضرارا لتعتدوا } { ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه } فهذا دليل قطعي على حرمة أخذ مالها كذلك فيكون حراما إلا أنه لو أخذ جاز في الحكم كما ذكره المصنف آخرا : أي يحكم بصحة التملك وإن كان بسبب خبيث .
وعلله بقوله ( لأن مقتضى ما تلوناه ) يعني قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } ( شيئان الجواز حكما ) يعني الصحة والنفاذ في القضاء فإنه ذكره مشبها بأخذ الزيادة وقد قال فيها جاز في القضاء ( والإباحة وقد ترك في حق الإباحة لمعارض ) وهو قوله تعالى { وإن أردتم استبدال زوج مكان زوج } الآية فبقي معمولا به في الباقي : أي الجواز في القضاء . لا يقال : الجواز هو الإباحة ويتلازمان وجودا وعدما . لأنا نقول : إن معنى الإباحة استواء الطرفين فلا أجر ولا وزر ، ومعنى الجواز من جاز : أي مر .
وبعد فهو النافذ شرعا : أي الصحيح وهو المعتبر سببا لترتب الآثار الشرعية فهو أعم من كونه مع الحل أو الحرمة كما في كل نهي عن أمر شرعي لم يقم فيه دليل شرعي على أنه لعينه كالبيع وقت النداء والبيع بالخمر فلا تلازم ، وهنا كذلك فالأخذ حرام في حال عدم نشوزها وإن كان برضاها ، ولو فعل كان أخذه سببا للتملك كما في البيع فيما قلنا حيث يملك بسبب ممنوع .
لا يقال : النهي هنا عن أمر حسي فيعدم وجوده شرعا فيخرجه عن انتهاضه سببا مفيدا لحكم الملك كالنهي عن الزنا ، لأن ذلك مقتضاه إذا لم يدل الدليل على أن النهي لغيره لا لعينه وهنا دل على أنه لزيادة الإيحاش . ولقائل أن يقول : إذا ترك في حق الإباحة لمعارض يلزم انتفاء النفاذ شرعا وذلك لأن دلالته على النفاذ ليس إلا دلالة التزامية للإباحة لأن دلالته المطابقية على الإباحة ، إذ هي المعنى المطابقي لنفي الجناح ، ويلزم من ثبوت الإباحة النفاذ ، فإذا ارتفعت الإباحة ارتفعت بلازمها إلا أن يدل دليل مستقل آخر على ثبوت النفاذ شرعا وهو معدوم ، وعلى هذا يظهر قول الظاهرية ( قوله لإطلاق ما تلونا بدءا ) أي أولا وهو قوله تعالى { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } يعني بطريق دلالته لا عبارته ، فإن عبارته رفع الجناح عند مشاقتهما ، ولا شك أن في مشاقتهما مشاقته ، فإذا كان له أن يأخذ ما افتدت به مطلقا فيما فيه مشاقة منه فأخذه ذلك فيما لا مشاقة منه فيه أولى ( قوله ووجه الأخرى قوله عليه الصلاة والسلام في امرأة ثابت إلخ ) تقدم ذكر الحديث [ ص: 217 ] من رواية nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري ، وليس فيه ذكر الزيادة ، وقد رويت مرسلة ومسندة .
وقد اعتضد هنا بهما جميعا وظهر لك الخلاف في اسم المرأة جميلة أو حبيبة أو زينب ، وفي اسم أبيها عبد الله بن أبي ابن سلول أو سلول أو سهل والمسألة مختلفة بين الصحابة .
فذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن عبد الله بن محمد بن نفيل : أن nindex.php?page=showalam&ids=10718الربيع بنت معوذ ابن عفراء حدثته أنها اختلعت من زوجها بكل شيء تملكه فخوصم في ذلك إلى nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان بن عفان فأجازه وأمره بأخذ عقاص رأسها فما دونه . وذكر أيضا عن nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج عن nindex.php?page=showalam&ids=17177موسى بن عقبة عن nindex.php?page=showalam&ids=17191نافع أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر جاءته مولاة لامرأته اختلعت من زوجها من كل شيء لها ومن كل ثوب حتى نقبتها . وروي أن nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بن الخطاب رضي الله عنه رفعت إليه امرأة نشزت على زوجها فقال اخلعها ولو من قرطها .
ذكره nindex.php?page=showalam&ids=15744حماد بن سلمة عن أيوب عن كثير بن أبي كثير . وذكر nindex.php?page=showalam&ids=16360عبد الرزاق عن nindex.php?page=showalam&ids=17124معمر عن nindex.php?page=showalam&ids=15124ليث عن nindex.php?page=showalam&ids=14152الحكم بن عتيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي بن أبي طالب رضي الله عنه : لا يأخذ منها فوق ما أعطاها . ورواه nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة عن عمار بن عمران الهمداني عن أبيه عن nindex.php?page=showalam&ids=8علي أنه كره أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16248طاوس : لا يحل له أن يأخذ منها أكثر مما أعطاها . وأورد أن شرط قبول خبر الواحد أن لا يعارض الكتاب وهذا معارض قوله { فلا جناح عليهما فيما افتدت به } أجيب إذا خص منه شيء أو عورض بنص آخر مثله خرج عن القطعية في الحكم فيجوز تخصيصه بخبر الواحد مع أن هذا الحديث إن كان معارضا لنص فهو موافق لآخر وهو قوله تعالى { فلا تأخذوا منه شيئا } فكان في الحقيقة معارضة الكتاب بالكتاب فجاز التمسك به لأنه موافق لأحد النصين ، وفيه نظر لما قدمنا من أن النهي عن الأخذ في هذه الآية مقيد بنشوزه وحده وإطلاق الأخذ منها قيد بنشوز كل منهما على الآخر فلا تعارض فلا تخصيص ، لأن مورد العام غير صادق على مورد الخاص ليكون خلاف حكمه في بعض متناولاته تخصيصا . لا يقال : أخذ الزيادة أيضا غير متناول المطلقة لأنها في نشوزهما ونشوزها وحدها ليس نشوزهما . لأنا نقول :
تثبت إباحة أخذ الزيادة في نشوزها وحدها بطريق أولى كما بينا ، وعلى هذا فيظهر كون رواية الجامع أوجه . نعم يكون أخذ الزيادة خلاف الأولى ، ويكون محمل منعه صلى الله عليه وسلم ثابتا من أن يزداد الحمل على ما هو الأولى وطريق القرب إلى الله سبحانه ، والله أعلم