الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط
فهرس الكتاب
صفحة جزء
قال ( وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة فلا شيء للزوج والفرقة بائنة ، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا ) فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العامل في الأول لفظ الخلع وهو كناية ، وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة وإنما لم يجب للزوج شيء عليها لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له ، ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام ، [ ص: 220 ] بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا ، وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد لأن ملك المولى فيه متقوم وما رضي بزواله مجانا ، [ ص: 221 ] أما ملك البضع في حالة الخروج غير متقوم على ما نذكر ، وبخلاف النكاح لأن البضع في حالة الدخول متقوم ، والفقه أنه شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه ، فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال .

التالي السابق


( قوله وإن بطل العوض في الخلع إلخ ) حاصله أنه إذا شرط في الفرقة عوضا غير متقوم [ ص: 220 ] حتى بطل ، فإما أن يكون موقعا بلفظ الخلع أو الطلاق ، ففي الخلع يقع بائنا ، وفي الطلاق يقع رجعيا إن كانت مدخولا بها وهي دون الثلاث ، وترك المصنف التقييد بهما لاشتهار الحال في الطلاق الثلاث ، وطلاق غير المدخول بها بحيث لا يكاد يخفى على أحد ، وفيهما معا لا يجب شيء للزوج .

وجه الحكم الشامل أن ملك النكاح في الخروج غير متقوم ولذا لا يلزمه شيء في الطلاق إجماعا وإباحة الافتداء ليس وضعا لتقومه شرعا وإلا لتعينت القيمة ولو بالنوع كمهر المثل ، فإذا سمى غير المتقوم في غير المتقوم كان راضيا بسقوطه مجانا .

وجه الافتراق أن لفظ الخلع من الكنايات التي لها دلالة على قطع الوصلة لأنه من خلع الخف والنعل والقميص ، وقدمنا أن الكنايات عوامل بحقائقها ، كما أفاد حقيقته ، منها قطع الوصلة كان الواقع به بائنا وما لا فرجعي ، ولفظ الخلع من الأول ، بخلاف لفظ اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة على ما سلف فإنما يقع بها رجعي ، ولفظ الطلاق صريح لا يقتضي البينونة ، ولولا ثبوت هذا الاعتبار عندنا في الكنايات لقلنا بالرجعى فيها كقول مالك وأحمد ، والشافعي يخالفنا في هذا الاعتبار في الكنايات على ما أسلفناه فيها ، وقال هنا إن الواقع بائن بناء على أنه يوجب فيه رد مهر مثلها قياسا على بطلان العوض في المهر وهو ضعيف لأنه مع الفارق ، فإن الشارع جعل البضع متقوما حالة الدخول ، حتى لو سكتا عن المهر لزمت قيمته وهي مهر المثل ولم يجعله متقوما حالة الخروج لما بينا فلم يلزم من بطلان العوض لزوم القيمة .

وفي كتب المالكية : لو خلعها على حلال وحرام فخمر ومال صح ولا يجب له إلا المال قيل هو قياس قول أصحابنا وهو صحيح . وفي جوامع الفقه : خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء لأنه مال لا تستحقه بحال ، وعرف مما قررنا أن اقتصاره على قوله لأنه من الكنايات لا يستلزم البينونة ( قوله بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه لأنها سمت ما هو مال وهو ليس بمال فيصير مغرورا ) فيرجع عليها ; فعند أبي حنيفة ترد مهرها ، وعندهما مثل كيل الخمر خلا وسطا كما في الصداق على ما تقدم في باب المهر ، ولو علم الزوج بكونه خمرا لا شيء له .

( وقوله وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر ) أو نحوه مما هو مال لكنه ساقط التقوم . واحترز به عما لو كاتب على ميتة أو دم فإن الكتابة حينئذ باطلة ، حتى لو أدى الميتة أو الدم لا يعتق وهاهنا فاسدة ، فلو أدى الخمر عتق وعليه قيمة نفسه ( لأن ملك المولى فيه متقوم ) ولهذا لا يجوز اشتراط بدل العتق على الأجنبي كثمنه ابتداء ( وما رضي بزواله مجانا ) لأنه لو رضي لنجز عتقه ابتداء فتسمية مال غير متقوم في المتقوم لا يستلزم رضاه [ ص: 221 ] بلا عوض ، والعتق لا يتوقف بعد وجوده فينزل ولا يمكن دفعه ، ولا إيجاب المسمى لفساده ولا وقوعه بلا بدل لما ذكرنا فيجب عليه رد ما احتبس عنده من ملك المولى وهو قيمة نفسه ، لأنه إذا تعذر البدل في موضع لزومه تجب قيمة المبدل .

ولقائل أن يقول : إن عنى بكون العبد متقوما عند الخروج أو حالة البقاء لزوم قيمته عند خروجه شرعا فممنوع ، وإن عنى إمكان الاعتياض فالبضع كذلك حالة الخروج ، فلا يفيد هذا الفرق في الرجوع بينهما في تسمية الخمر والخنزير . والجواب المراد أمر ثالث وهو كونه له قيمة في الواقع بأن الشرع قوم أولا ببيع أو هبة وليس هذا في البضع حالة الخروج ( قوله والفقه فيه ) أي في لزوم تقومه عند الدخول دون الخروج ( أنه ) أي البضع ( شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض ، فأما الإسقاط فنفسه شرف ) أي يحصل به شرف البضع للتخلص به من المملوكية ( فلا حاجة إلى إيجاب المال ) إذا لم يجب إلا هذا الغرض وهو حاصل هنا بدونه




الخدمات العلمية