قال ( وإن بطل العوض في الخلع مثل أن يخالع المسلم على خمر أو خنزير أو ميتة فلا شيء للزوج والفرقة بائنة ، وإن بطل العوض في الطلاق كان رجعيا ) فوقوع الطلاق في الوجهين للتعليق بالقبول وافتراقهما في الحكم لأنه لما بطل العوض كان العامل في الأول لفظ الخلع وهو كناية ، وفي الثاني الصريح وهو يعقب الرجعة وإنما لم يجب للزوج شيء عليها لأنها ما سمت مالا متقوما حتى تصير غارة له ، ولأنه لا وجه إلى إيجاب المسمى للإسلام ولا إلى إيجاب غيره لعدم الالتزام ، [ ص: 220 ] بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه فظهر أنه خمر لأنها سمت مالا فصار مغرورا ، وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر حيث تجب قيمة العبد لأن ملك المولى فيه متقوم وما رضي بزواله مجانا ، [ ص: 221 ] أما ملك البضع في حالة الخروج غير متقوم على ما نذكر ، وبخلاف النكاح لأن البضع في حالة الدخول متقوم ، والفقه أنه شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض إظهارا لشرفه ، فأما الإسقاط فنفسه شرف فلا حاجة إلى إيجاب المال .
( قوله وإن بطل العوض في الخلع إلخ ) حاصله أنه إذا شرط في الفرقة عوضا غير متقوم [ ص: 220 ] حتى بطل ، فإما أن يكون موقعا بلفظ الخلع أو الطلاق ، ففي الخلع يقع بائنا ، وفي الطلاق يقع رجعيا إن كانت مدخولا بها وهي دون الثلاث ، وترك المصنف التقييد بهما لاشتهار الحال في الطلاق الثلاث ، وطلاق غير المدخول بها بحيث لا يكاد يخفى على أحد ، وفيهما معا لا يجب شيء للزوج .
وجه الحكم الشامل أن ملك النكاح في الخروج غير متقوم ولذا لا يلزمه شيء في الطلاق إجماعا وإباحة الافتداء ليس وضعا لتقومه شرعا وإلا لتعينت القيمة ولو بالنوع كمهر المثل ، فإذا سمى غير المتقوم في غير المتقوم كان راضيا بسقوطه مجانا .
وجه الافتراق أن لفظ الخلع من الكنايات التي لها دلالة على قطع الوصلة لأنه من خلع الخف والنعل والقميص ، وقدمنا أن الكنايات عوامل بحقائقها ، كما أفاد حقيقته ، منها قطع الوصلة كان الواقع به بائنا وما لا فرجعي ، ولفظ الخلع من الأول ، بخلاف لفظ اعتدي واستبرئي رحمك وأنت واحدة على ما سلف فإنما يقع بها رجعي ، ولفظ الطلاق صريح لا يقتضي البينونة ، ولولا ثبوت هذا الاعتبار عندنا في الكنايات لقلنا بالرجعى فيها كقول nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي يخالفنا في هذا الاعتبار في الكنايات على ما أسلفناه فيها ، وقال هنا إن الواقع بائن بناء على أنه يوجب فيه رد مهر مثلها قياسا على بطلان العوض في المهر وهو ضعيف لأنه مع الفارق ، فإن الشارع جعل البضع متقوما حالة الدخول ، حتى لو سكتا عن المهر لزمت قيمته وهي مهر المثل ولم يجعله متقوما حالة الخروج لما بينا فلم يلزم من بطلان العوض لزوم القيمة .
وفي كتب المالكية : لو خلعها على حلال وحرام فخمر ومال صح ولا يجب له إلا المال قيل هو قياس قول أصحابنا وهو صحيح . وفي جوامع الفقه : خالعها على عبد نفسه لا يلزمها شيء لأنه مال لا تستحقه بحال ، وعرف مما قررنا أن اقتصاره على قوله لأنه من الكنايات لا يستلزم البينونة ( قوله بخلاف ما إذا خالع على خل بعينه لأنها سمت ما هو مال وهو ليس بمال فيصير مغرورا ) فيرجع عليها ; فعند أبي حنيفة ترد مهرها ، وعندهما مثل كيل الخمر خلا وسطا كما في الصداق على ما تقدم في باب المهر ، ولو علم الزوج بكونه خمرا لا شيء له .
( وقوله وبخلاف ما إذا كاتب أو أعتق على خمر ) أو نحوه مما هو مال لكنه ساقط التقوم . واحترز به عما لو كاتب على ميتة أو دم فإن الكتابة حينئذ باطلة ، حتى لو أدى الميتة أو الدم لا يعتق وهاهنا فاسدة ، فلو أدى الخمر عتق وعليه قيمة نفسه ( لأن ملك المولى فيه متقوم ) ولهذا لا يجوز اشتراط بدل العتق على الأجنبي كثمنه ابتداء ( وما رضي بزواله مجانا ) لأنه لو رضي لنجز عتقه ابتداء فتسمية مال غير متقوم في المتقوم لا يستلزم رضاه [ ص: 221 ] بلا عوض ، والعتق لا يتوقف بعد وجوده فينزل ولا يمكن دفعه ، ولا إيجاب المسمى لفساده ولا وقوعه بلا بدل لما ذكرنا فيجب عليه رد ما احتبس عنده من ملك المولى وهو قيمة نفسه ، لأنه إذا تعذر البدل في موضع لزومه تجب قيمة المبدل .
ولقائل أن يقول : إن عنى بكون العبد متقوما عند الخروج أو حالة البقاء لزوم قيمته عند خروجه شرعا فممنوع ، وإن عنى إمكان الاعتياض فالبضع كذلك حالة الخروج ، فلا يفيد هذا الفرق في الرجوع بينهما في تسمية الخمر والخنزير . والجواب المراد أمر ثالث وهو كونه له قيمة في الواقع بأن الشرع قوم أولا ببيع أو هبة وليس هذا في البضع حالة الخروج ( قوله والفقه فيه ) أي في لزوم تقومه عند الدخول دون الخروج ( أنه ) أي البضع ( شريف فلم يشرع تملكه إلا بعوض ، فأما الإسقاط فنفسه شرف ) أي يحصل به شرف البضع للتخلص به من المملوكية ( فلا حاجة إلى إيجاب المال ) إذا لم يجب إلا هذا الغرض وهو حاصل هنا بدونه