( ولو قال لا ملك لي عليك ونوى به الحرية عتق وإن لم ينو لم يعتق ) لأنه يحتمل أنه أراد لا ملك لي عليك لأني بعتك ، ويحتمل لأني أعتقتك فلا يتعين أحدهما مرادا إلا بالنية قال ( وكذا كنايات العتق ) وذلك مثل قوله خرجت من ملكي ولا سبيل لي عليك ولا رق لي عليك وقد خليت سبيلك لأنه يحتمل نفي السبيل والخروج عن الملك وتخلية السبيل بالبيع أو الكتابة كما يحتمل بالعتق فلا بد من النية ، وكذا قوله لأمته قد أطلقتك لأنه بمنزلة قوله خليت سبيلك وهو المروي عن nindex.php?page=showalam&ids=14954أبي يوسف رحمه الله بخلاف قوله طلقتك على ما نبين من بعد إن شاء الله تعالى ( ولو قال لا سلطان لي عليك ونوى العتق لم يعتق ) [ ص: 436 ] لأن السلطان عبارة عن اليد ، وسمي السلطان به لقيام يده وقد يبقى الملك دون اليد كما في المكاتب ، بخلاف قوله : لا سبيل لي عليك لأن نفيه مطلقا بانتفاء الملك لأن للمولى على المكاتب سبيلا فلهذا يحتمل العتق .
( قوله ولو قال لا ملك لي عليك ) شروع في الكنايات . والحاصل أن ما ليس بصريح من الألفاظ منها ما يقع العتق به إذا نواه ، ومنها ما لا يقع به شيء وإن نواه ، فالأول نحو لا ملك لي عليك لا سبيل لي عليك خرجت من ملكي لا رق لي عليك خليت سبيلك ولا حق لي عليك عند nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة nindex.php?page=showalam&ids=16908ومحمد رحمهما الله . وقوله لأمته أطلقتك أو أنت حر أو قال لعبده أنت حرة عتق في الجميع إن نوى ، ولو قال [ ص: 436 ] أنت لله أو جعلتك لله خالصا روي عن nindex.php?page=showalam&ids=11990أبي حنيفة أنه لا يعتق وإن نوى ، لأن الأشياء كلها لله بحكم التخليق ، وعنهما أنه يعتق لأن الخلوص لا يتحقق إلا بالعتق . والثاني نحو أن يقول لعبده بنت مني ولأمته بنت عني أو حرمت علي أو أنت برية أو بائن أو بتة أو اخرجي أو اغربي أو استتري أو تقنعي أو اذهبي أو اختاري فاختارت نفسها لأنه يثبت العتق بها وإن نواه ، وكذلك طلقتك وكذا سائر صرائح الطلاق وكناياته لما سنذكر ، وكذا إذا قال اذهب أو توجه حيث شئت من بلاد الله لا يعتق وإن نوى ، وفي المغني اذهب حيث شئت كناية ، ولو قال أنت مثل الحر لا يعتق لأن التشبيه للمشاركة في بعض المعاني وقد تحقق ذلك . وقال بعض المشايخ : يعتق إذا نوى كقوله لامرأته أنت مثل امرأة فلان وفلان قد آلى من امرأته يصير به موليا إن نوى الإيلاء .
( قوله لأن السلطان عبارة عن اليد ) قيل فيه تسامح ، بل هو عبارة عن صاحب اليد ، والسلطنة اليد ، لكن كلام المصنف يفيد أنه التحقق لا التساهل والتجوز فإنه قال : وسمي السلطان به لقيام يده فإنه يقتضي أن المعنى الحقيقي الأصلي للسلطان هو اليد وتسمية غيره به لاتصافه باليد كما تسمي رجلا بالفضل لاتصافه به ، ثم قيل هو مشترك بين الحجة لقول nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس : كل سلطان في القرآن هو الحجة واليد ، فإذا قال لا سلطان لي عليك فإنما نفي الحجة واليد ونفي كل منهما لا يستدعي نفي الملك كالمكاتب ، بخلاف نفي السبيل لأنه نفي الطريق ، والطريق المسلوك لا يراد حقيقة هنا فجعل كناية عن الملك ، لأن الطريق ما يتوصل به إلى غيره ، والملك في العبد يتوصل به شرعا إلى إنقاذ التصرفات ، فإذا صح جهله كناية عنه عتق إذا أراده ، بخلاف السلطان فإنه اليد فنفيه نفي اليد وهو غير مستلزم نفي الملك كما في المكاتب ، فلو جعل كناية عن العتق وفيه إزالة اليد والملك لثبت باللفظ أكثر مما وضع له وأنه لا يجوز ، وكذا لا حجة لي عليك .
واعلم أن بعض المشايخ مال أنه يعتق بالنية في لا سلطان لي عليك ، وبه قال الأئمة الثلاثة . وقال بعض المشايخ : إنه ليس ببعيد . وعن nindex.php?page=showalam&ids=15071الكرخي رحمه الله : فني عمري ولم يتضح لي الفرق بين نفي السلطان والسبيل ، ومثل هذا الإمام لا يقع له مثل هذا إلا والمحل مشكل وهو به جدير . أما أولا فإن اليد المفسر بها السلطان ليس مرادا بها الجارحة المحسوسة بل القدرة ، فإذا قيل له سلطان : أي يد يعني الاستيلاء . وقد صرح في الكافي بأن السلطان يراد به الاستيلاء ، وإذا كان كذلك كان نفيه نفي الاستيلاء حقيقة أو مجازا فصح أن يراد منه ما يراد بنفي السبيل بل أولى بأدنى تأمل . وأما ثانيا فالمانع الذي عينه من أن يراد به العتق وهو لزوم أن يثبت باللفظ أكثر مما [ ص: 437 ] وضع له غير مانع ، إذ غاية الأمر أن يكون المعنى المجازي أوسع من الحقيقي ، ولا بدع في ذلك بل هو ثابت في المجازات العامة ، فإن المعنى الحقيقي فيها يصير فردا من المعنى المجازي ، كذا هذا يصير زوال اليد من أفراد المجازي : أعني العتق أو زوال الملك ، فالذي يقتضيه النظر كون نفي السلطان من الكنايات .