السير جمع سيرة ، وهي الطريقة في الأمور ، وفي الشرع تختص بسير النبي عليه الصلاة والسلام في مغازيه .
( كتاب السير )
أورد الجهاد عقيب الحدود ; لأنه بعد أن ناسبها بوجهين باتحاد المقصود من كل منها ومن مضمون هذا الكتاب ، وهو إخلاء العالم من الفساد ، وبكون كل منهما حسن لحسن غيره ، وذلك الغير ، وهو إعلاء كلمة الله تعالى يتأدى بفعل نفس المأمور به ، وهو القتال وجب تأخيره عنها لوجهين : كون الفساد المطلوب الإخلاء عنه بالجهاد أعظم كل فساد وأقبحه ، والعادة في التعاليم الشروع فيها على وجه الترقي من الأدنى إلى ما هو أعلى منه ، وكونه معاملة مع الكفار ، والحدود معاملة مع المسلمين ، وتقديم ما يتعلق بالمسلمين أولى . ولا يخفى أن له مناسبة خاصة بالعبادات ، فلذا أورده بعض الناس عقيبها قبل النكاح لأنه عبادة محضة بخلاف النكاح ( والسير جمع سيرة ) [ ص: 435 ] وهي فعلة بكسر الفاء من السير فيكون لبيان هيئة السير وحالته ; لأن فعلة للهيئة كجلسة وخمرة ، وقد استعملت كذلك في السير المعنوي حيث قالوا في nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز : سار فينا بسيرة العمرين ، لكن غلب في لسان أهل الشرع على الطرائق المأمور بها في غزو الكفار ، وكان سبب ذلك كونها تستلزم السير وقطع المسافة . وقد يقال كتاب الجهاد ، وهو أيضا أعم غلب في عرفهم على جهاد الكفار ، وهو دعوتهم إلى الدين الحق ، وقتالهم إن لم يقبلوا ، وفي غير كتب الفقه يقال : كتاب المغازي ، وهو أيضا أعم ، جمع مغزاة مصدرا سماعيا لغزا دالا على الوحدة ، والقياسي غزو وغزوة للوحدة كضربة وضرب وهو قصد العدو للقتال خص في عرفهم بقتال الكفار .
وهذه وإن كانت صورة معارضة لكن الجمع بينهما بحمل كل على ما يليق بحال السائل ، فإذا كان السائل يليق به الجهاد لما علمه من تهيئته له واستعداده زيادة على غيره كان الجهاد بالنسبة إليه أفضل ممن ليس مثله في الجلادة والغناء ، وفيه نظر لأن المذكور في الحديث السابق الصلاة على وقتها وتلك هي الفرائض ، وفي هذا لا يتردد في أن المواظبة على أداء فرائض الصلاة وأخذ النفس بها في أوقاتها على ما هو المراد من قوله الصلاة على ميقاتها أفضل من الجهاد . ولأن هذه فرض عين وتتكرر والجهاد ليس كذلك ، ولأن افتراض الجهاد ليس إلا للإيمان وإقامة الصلاة فكان مقصودا وحسنا لغيره ، بخلاف الصلاة حسنة لعينها وهي المقصود منه على ما صرح به عليه الصلاة والسلام في حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، وفيه طول إلى أن قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=83951والذي نفس محمد بيده ما شحب وجه ولا اغبرت قدم في عمل يبتغى به درجات الآخرة بعد الصلاة المفروضة كجهاد في سبيل الله } صححه الترمذي ، وإذ لا شك في هذا عندنا وجب أن يعتبر كل من الصلاة والزكاة مرادة بلفظ الإيمان في حديث nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة ، ويكون من عموم المجاز أو يرجح بزيادة فقه الراوي وهو nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود رضي الله عنه وبما عضده من الأحاديث السابقة .
والحق أنه ليس فيه معارضة لأنه لم يذكر الصلاة فيه أصلا ، فإنما فيه أنه جهل الجهاد بعد الإيمان وهو يصدق إذا كان بعد الصلاة ، وهي قبله بعد الإيمان فلا معارضة إلا إذا نظرنا إلى المقصود .
وقال بعضهم : إذا أغار العدو على موضع مرة يكون ذلك الموضع رباطا إلى أربعين سنة ، وإذا أغاروا مرتين يكون رباطا إلى مائة وعشرين سنة ، وإذا أغاروا ثلاث مرات يكون رباطا إلى يوم القيامة .