قال ( إلا أن يكون في ذلك مفسدة . فينبذ إليهم ) كما إذا أمن الإمام بنفسه ثم رأى المصلحة في النبذ وقد بيناه [ ص: 465 ] ولو حاصر الإمام حصنا وأمن واحد من الجيش وفيه مفسدة ينبذ الإمام لما بينا ، ويؤدبه الإمام لافتياته على رأيه ، بخلاف ما إذا كان فيه نظر لأنه ربما تفوت المصلحة بالتأخير فكان معذورا ( ولا يجوز أمان ذمي ) لأنه متهم بهم ، وكذا لا ولاية له على المسلمين .
قال ( ولا أسير ولا تاجر يدخل عليهم ) لأنهما مقهوران تحت أيديهم فلا يخافونهما والأمان يختص بمحل الخوف ولأنهما يجبران عليه فيه فيعرى الأمان عن المصلحة ، ولأنهم كلما اشتد الأمر عليهم يجدون أسيرا أو تاجرا فيتخلصون بأمانه فلا ينفتح لنا باب الفتح .
وكان الذي أجارته أم هانئ عبد الله بن أبي ربيعة بن المغيرة والحارث بن هشام بن المغيرة كلاهما من بني مخزوم . ومنها ما رواه أبو داود : حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=16544عثمان بن أبي شيبة عن nindex.php?page=showalam&ids=16008سفيان بن عيينة عن منصور عن إبراهيم عن الأسود عن عائشة رضي الله عنها قالت : إن كانت المرأة لتجير على المؤمنين فيجوز . وترجم الترمذي باب أمان المرأة ، حدثنا nindex.php?page=showalam&ids=17299يحيى بن أكثم إلى nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال { nindex.php?page=hadith&LINKID=84023إن المرأة لتأخذ للقوم } يعني تجير القوم على المسلمين .
وقال : حديث حسن غريب ، وقال في علله الكبرى : سألت محمد بن إسماعيل عن هذا الحديث فقال : هو حديث صحيح .
وكثير بن زيد وهو في السند سمع من الوليد بن رباح ، والوليد بن رباح سمع من nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة . ومنها حديث إجارة زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا العاص ، فقال عليه الصلاة والسلام : [ ص: 464 ] { nindex.php?page=hadith&LINKID=84024ألا وإنه يجير على المسلمين أدناهم } رواه nindex.php?page=showalam&ids=14687الطبراني بطوله .
قال المصنف ( ولأنه من أهل القتال ) أي الواحد ذكرا كان أو أنثى فإنها من أهله بالتسبب بمالها وعبيدها فيخاف منه ( فيتحقق الأمان منه لملاقاته محله ) أي محل الأمان وهو الكافر الخائف ، وإذا صدر التصرف من أهله في محله نفذ ( ثم يتعدى إلى غيره ) أي غير المجير من المسلمين . وأما قوله ولأن سببه لا يتجزأ إلخ فيصلح تعليلا بلا واو للتعدي ، فإن ما ذكره من المعنى لا يزيد على اعتبار الأمان بالنسبة إلى المؤمن ، فأما تعديه إلى غيره فليس ضروريا فلا بد له من دليل .
وما ذكر من عدم التجزي يصلح دليلا له فإنه إذا لم يتجزأ كان أمان الواحد أمان الكل ; لأنه بعض أمان الكل . واستدل على عدم تجزيه بأن سببه ، وهو الإيمان لا يتجزأ فكذا الأمان ، وفسر بالتصديق الذي هو ضد الكفر ، وبعضهم بإعطاء الأمان لأنه يقال آمنته فأمن : أي أعطيته الأمان فأمن . ولا يصح أن يقال آمنت بمعنى صدقت بالدين فأمن الكافر : أي حصل له الأمان ، وهذا إنما يتم إذا كان السبب علة وهو مجاز ، فإن حقيقة السبب المفضي فلا يلزم من وجوده الوجود ، ولا شك أن الإيمان بالله ورسوله سبب مفض إلى أمان الحربي بإعطاء المسلم إياه له ، فالحق أن كلا منهما يصح الإيمان : أي إعطاء الأمان سبب الأمان بمعنى علته لا يتجزأ فلا يتجزأ الأمان ، أو الإيمان بمعنى التصديق سبب حقيقي للأمان لا يتجزأ فلا يتجزأ الأمان وصار ( كولاية الإنكاح ) إذا زوج أحد الأولياء المستوين نفذ على الكل .
واعلم أن كونها لا تتجزأ إنما علمناه من النص الموجب للنفاذ على الكل إذا صدر من واحد فهو المرجع في ذلك ( وقوله إلا إذا كان في ذلك ) أي أمان الواحد ( مفسدة فينبذ إليهم كما إذا أمن الإمام بنفسه ثم رأى المصلحة في النبذ وقد بيناه ) في الباب السابق [ ص: 465 ] وهو قولنا يفعل تحرزا عن الغدر وعن ترك الجهاد صورة ومعنى .
وأما قوله ( ولو حاصر الإمام حصنا وأمن وأمن واحد من الناس إلخ ) فليس تكرارا محضا بل ذكره ليبني عليه قوله ( ويؤدبه الإمام لافتياته على رأيه بخلاف ، ما إذا كان فيه نظر ) لا يؤدبه ( لأنه ربما ) فعل ذلك مخافة أن ( تفوت المصلحة بالتأخير ) إلى أن يعلم الإمام بها ويؤمن هو بنفسه .
والافتيات افتعال من الفوت وهو السبق ، وإنما يقال الافتعال للسبق إلى الشيء دون ائتمار من ينبغي أن يؤامر فيه ، بخلاف غيره قال فاتني ذلك الفارس : أي سبقني فأصله افتوات قلبت واوه ياء لكسر ما قبلها ، والتعليل به مطلقا يقتضي أن يؤدبه مطلقا لتحقق الافتيات فيما فيه المصلحة ، فالوجه تقييده بقولنا افتيات فيما لا مصلحة فيه ( قوله ولا يجوز أمان ذمي لأنه متهم بهم ) على المسلمين لموافقته لهم اعتقادا ، وأيضا لا ولاية لكافر على مسلم لقوله تعالى { ولن يجعل الله للكافرين على المؤمنين سبيلا } والأمان من باب الولاية ; لأنه نفاذ كلامه على غيره شاء أو أبى ( ولا أسير ولا تاجر يدخل عليهم ) في دار الحرب ( لأنهما مقهوران تحت أيديهم والأمان يختص بمحل الخوف ، ولأنهما يجبران عليه فيعرى الأمان عن المصلحة ، ولأنه كلما اشتد الأمر عليهم يجدون أسيرا أو تاجرا فيتخلصون بأمانه فلا ينفتح باب الفتح ) .