قال ( والواجب أن يبتدأ من ارتفاع الوقف بعمارته شرط ذلك الواقف أو لم يشترط ) لأن قصد الواقف صرف الغلة مؤبدا ، ولا تبقى دائمة إلا بالعمارة فيثبت شرط العمارة اقتضاء [ ص: 222 ] ولأن الخراج بالضمان وصار كنفقة العبد الموصى بخدمته ، فإنها على الموصى له بها . ثم إن كان الوقف على الفقراء لا يظفر بهم ، وأقرب أموالهم هذه الغلة فتجب فيها . ولو كان الوقف على رجل بعينه وآخره للفقراء فهو في ماله : أي مال شاء في حال حياته . ولا يؤخذ من الغلة ; لأنه معين يمكن مطالبته ، وإنما يستحق العمارة عليه بقدر ما يبقى الموقوف على الصفة التي وقفه ، وإن خرب يبني على ذلك الوصف ; لأنها بصفتها صارت غلتها مصروفة إلى الموقوف عليه . فأما الزيادة على ذلك فليست بمستحقة عليه والغلة مستحقة فلا يجوز صرفها إلى شيء آخر إلا برضاه ، ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند البعض ، وعند الآخرين يجوز ذلك ، والأول أصح لأن الصرف إلى العمارة ضرورة إبقاء الوقف ولا ضرورة في الزيادة .
( قوله والواجب أن يبتدأ من ارتفاع الوقف بعمارته سواء شرط الواقف ذلك أو لم يشرط ) لأن الغرض لكل واقف وصول الثواب مؤبدا وذلك ( بصرف الغلة مؤبدا ) ولا يمكن ذلك بلا عمارة ، فكانت العمارة مشروطة اقتضاء ، ولهذا ذكر nindex.php?page=showalam&ids=16908محمد رحمه الله في الأصل في شيء من رسم الصكوك فاشترط أن يرفع الوالي من غلته كل عام ما يحتاج إليه لأداء العشر والخراج والبذر وأرزاق الولاة عليها [ ص: 222 ] والعملة وأجور الحراس والحصادين والدارسين ; لأن حصول منفعتها في كل وقت لا يتحقق إلا بدفع هذه المؤن من رأس الغلة . قال شمس الأئمة : وذلك وإن كان يستحق بلا شرط عندنا لكن لا يؤمن جهل بعض القضاة فيذهب رأيه إلى قسمة جميع الغلة ، فإذا شرط ذلك في صكه يقع الأمن بالشرط . قال المصنف ( ولأن الخراج بالضمان ) أي الانتفاع بخراج الشيء كغلة العبد والدابة ونحو ذلك بقيام ذلك الشيء : أي لكون ذلك الشيء لو تلف تلف من ضمان المستغل . وروى أبو عبيد في كتاب غريب الحديث عن مروان الفزاري عن nindex.php?page=showalam&ids=12493ابن أبي ذئب عن مخلد بن أبي خفاف عن عروة عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة عن النبي صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=84181أنه قضى أن الخراج بالضمان } . قال أبو عبيد : معناه والله أعلم الرجل يشتري المملوك فيستغله ، ثم يجد به عيبا كان عند البائع فقضي أنه يرد العبد على البائع بالعيب ، ويرجع بالثمن فيأخذه وتكون له الغلة طيبة وهو الخراج ، وإنما طابت لأنه كان ضامنا للعبد ، ولو مات مات من مال المشتري ; لأنه في يده ا هـ . ولهذا الحديث نقض nindex.php?page=showalam&ids=16673عمر بن عبد العزيز قضاءه حين قضى بالغلة للبائع ، وهذا الحديث من جوامع الكلم ، وفي معناه : { الغرم بالغنم } . وقد جرى لفظه مجرى المثل واستعمل في كل مضرة بمقابلة منفعة .
وقوله ( وصار ) أي عمارة الوقف ( كنفقة العبد الموصى بخدمته فإنها ) تكون ( على الموصى له بها ) ( قوله ثم إن كان الوقف على الفقراء ولا يظفر بهم ) لا يتصور أن يلزموا لعدم اجتماعهم ولعسرتهم ( وأقرب أموالهم هذه الغلة ) الكائنة للوقف ( فتجب ) العمارة فيها ( قوله وإن كان الوقف على رجل بعينه ) أو رجال ( وآخره للفقراء فهو في ماله أي مال شاء في حياته ) فإذا مات فمن الغلة ( ولا يؤخذ من الغلة ) عينا ( لأنه ) رجل ( معين يمكن مطالبته ) ثم هو يعطي إن شاء من الغلة وإن شاء من غيرها ، ثم العمارة المستحقة عليه إنما هي ( بقدر ما يبقى الموقوف بها على الصفة التي وقف ) عليها ( فأما الزيادة فليست بمستحقة ) فلا تصرف في العمارة ( إلا برضاه ، ولو كان الوقف على الفقراء فكذلك عند البعض ) أي لا يزاد على الصفة التي كان عليها ( وعند آخرين يجوز ذلك ) أي الزيادة ( والأول أصح ) لأنه صرف حق الفقراء إلى غير ما يستحق عليهم ، ولا تؤخر العمارة إذا احتيج إليها [ ص: 223 ] وتقطع الجهات الموقوفة عليها لها إن لم يخف ضرر بين ، فإن خيف قدم .
وأما الناظر فإن كان المشروط له من الواقف فهو كأحد المستحقين ، فإذا قطعوا للعمارة قطع إلا أن يعمل كالفاعل والبناء ونحوهما فيأخذ قدر أجرته ، وإن لم يعمل لا يأخذ شيئا . قال الإمام فخر الدين قاضي خان : رجل وقف ضيعة على مواليه ومات فجعل القاضي الوقف في يد قيم ، وجعل له عشر الغلات مثلا وفي الوقف طاحونة في يد رجل بالمقاطعة لا حاجة فيها إلى القيم ، وأصحاب هذه الطاحونة يقسمون غلتها لا يجب للقيم فيها ذلك العشر ; لأن القيم لا يأخذ ما يأخذه إلا بطريق الأجر فلا يستوجب الأجر بلا عمل ا هـ . فهذا عندنا فيمن لم يشرط له الواقف شيئا ; أما إذا شرط كان من جملة الموقوف عليهم