( قوله والشهادة في الحدود ) أي الأداء في الحدود يخير فيها بين الأداء والترك لأن النهي في القرآن وإن كان عاما لكن ثبت تخصيصه بالشهادة على الحدود لما فيه من الستر ، فمن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم للذي شهد عنده { nindex.php?page=hadith&LINKID=33622لو سترته بثوبك لكان خيرا لك } كذا ذكره المصنف ، والمعروف في الحديث أن هذا قاله صلى الله عليه وسلم لهزال .
وقال nindex.php?page=showalam&ids=16102شعبة : قال يحيى : فذكرت هذا الحديث بمجلس فيه يزيد بن نعيم بن هزال فقال يزيد : هذا هو الحق ، هذا حديث جدي وقال : صحيح الإسناد . ورواه ابن سعد في الطبقات ، وفيه { قال في هزال بئسما صنعت ، لو سترته بطرف ردائك لكان خيرا لك ، قال : يا رسول الله لم أدر أن في الأمر سعة } ومنه قوله صلى الله عليه وسلم من رواية nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة { nindex.php?page=hadith&LINKID=83880من ستر على مسلم ستره الله في الدنيا والآخرة } رواه nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم .
وروي عن nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس { nindex.php?page=hadith&LINKID=84370أن النبي صلى الله عليه وسلم قال لماعز : لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت ، قال : لا } الحديث قدمناه في الحدود . فإن قلت : كيف صح لك القول بتخصيص العام من الكتاب بهذه وهي أخبار آحاد ، وأيضا شرط التخصيص عندكم المقارنة ومن أين ثبت لك ذلك . قلت : هذه الأخبار الواردة في طلب الستر بلغت مبلغا لا تنحط به عن درجة الشهرة لتعدد متونها مع قبول الأمة لها فصح التخصيص بها ، أو هي مستند الإجماع على تخيير الشاهد في الحدود ، فثبوت الإجماع دليل ثبوت المخصص .
وأما المقارنة فإنما هي شرط التخصيص في نفس الأمر ، وهذا التخصيص الذي ادعيناه هنا ليس بذاك بل هو جمع للمعارضة على ما كتبناه في التعارض من كتاب تحرير الأصول من أن الجمع بين العام والخاص إذا تعارضا بأن يحمل على تخصيصه به ، فإذا وجب للجمع حمله على ذلك تضمن الحكم منا بأنه كان مقارنا أو أنها ليست تخصيصات أول كما أنا إذا رجحنا في التعارض المحرم على المبيح وثبت صحتهما تضمن حكمنا أن المبيح كان مقدما على التحريم فنسخ حكما لوجوب ترجيح المحرم وإن لم يعلم تقدمه بعلم تاريخه ، وكثيرا ما يعترض بعض متأخري الشارحين على كثير من المواضع المحكوم فيها بالتخصيص من أصحابنا بأن المقارنة غير معلومة فلا يثبت التخصيص ، ومرادهم في تلك الأماكن ما ذكرنا ، هذا كله إذا نظرنا إلى مجرد إطلاق قوله تعالى { ولا يأبى الشهداء إذا ما دعوا } فأما إذا قيدناه بما إذا دعوا للشهادة في الدين المذكور أول الآية : أي قوله تعالى { إذا تداينتم بدين إلى أجل مسمى فاكتبوه } .
ثم قال { ولا يأبى الشهداء } يعني بذلك الدين فظاهر ( قوله إلا أنه يجب أن يشهد بالمال ) استدراك من قوله مخير في الحدود ، فإنه يقتضي أن لا يشهد بالسرقة فقد يتبادر أنه لا يشهد فيها [ ص: 369 ] مطلقا لاستلزامه الحد فقال يجب أن يشهد بالمال إحياء لحق مالكه على وجه لا يوجب الحد فيقول أخذ المال ولا يقول سرق ، فإن الأخذ أعم من كونه غصبا أو على ادعاء أنه ملكه مودعا عند المأخوذ منه وغير ذلك ، فلا تستلزم الشهادة بالأخذ مطلقا ثبوت الحد بها مع أن فيه مصلحة للمسروق منه ، لأنه إذا قال سرق فثبتت السرقة وجب القطع وبه ينتفي ضمان المال إن كان أتلفه