( وإذا كان الغالب على الورق الفضة فهو في حكم الفضة ، وإذا كان الغالب عليها الغش فهو في حكم العروض يعتبر أن تبلغ قيمته نصابا ) لأن الدراهم لا تخلو عن قليل غش لأنها لا تنطبع إلا به وتخلو عن الكثير ، فجعلنا الغلبة فاصلة وهو أن يزيد على النصف اعتبارا للحقيقة ، وسنذكره في الصرف إن شاء الله تعالى ، إلا أن في غالب الغش لا بد من نية التجارة كما في سائر العروض ، إلا إذا كان تخلص منها فضة تبلغ نصابا لأنه لا يعتبر في عين الفضة القيمة ولا نية التجارة .
وقيل هي فعيلة فالهمزة أصلية وهي من الأوق وهو الثقل ، ولم يذكر في نهاية nindex.php?page=showalam&ids=12569ابن الأثير إلا الأول قال : وهمزتها زائدة ويشدد الجمع ويخفف مثل أثفية وأثافي وأثاف ، وربما يجيء في الحديث وقية وليست بالعالية
( قوله فإذا كانت مائتي درهم إلخ ) سواء كانت [ ص: 209 ] مصكوكة أو لا ، وكذا عشرة المهر ، وفي غير الذهب والفضة لا تجب الزكاة ما لم تبلغ قيمته نصابا مصكوكا من أحدهما لأن لزومها مبني على التقوم ، والعرف أن يقوم بالمصكوك ، وكذا نصاب السرقة احتياطا للدرء ( قوله كتب إلى nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ) الله تعالى أعلم به ، وإنما في nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني { nindex.php?page=hadith&LINKID=82834أنه عليه الصلاة والسلام أمر nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل حين بعثه إلى اليمن أن يأخذ من كل أربعين دينارا دينارا ، ومن كل مائتي درهم } الحديث ، وهو معلول بعبد الله بن شبيب ، ولا يضر ذلك بالمدعي فإن أحاديث أخذ ربع العشر من الرقة مفسرة من كل أربعين درهما درهم كثيرة شهيرة ( قوله فزكاته بحسابه ) ففي الدرهم الزائد جزء من أربعين جزءا من درهم ، ومما يبنى على هذا الخلاف لو كان له مائتان وخمسة دراهم مضى عليها عامان عنده عليه عشرة وعندهما خمسة لأنه وجب عليه في العام الأول خمسة وثمن فيبقى السالم من الدين في العام الثاني مائتان إلا ثمن درهم فلا تجب فيه الزكاة ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وعنده لا زكاة في الكسور فيبقى السالم مائتين ففيها خمسة أخرى .
( قوله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي ) تقدم حديثه في زكاة العوامل والحوامل وفي أول كتاب الزكاة في مسألة الحول ( قوله وبعد النصاب في السوائم إلخ ) جواب عن مقدر هو أنه قد عفي بعد النصاب في السوائم أعداد فقال ذلك فيها تحرزا عن التشقيص ، أي إيجاب الشقص لما فيه من ضرر الشركة على الملاك وليس ذلك بلازم هنا ( قوله nindex.php?page=showalam&ids=11990ولأبي حنيفة إلخ ) روى nindex.php?page=showalam&ids=14269الدارقطني عن nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ { nindex.php?page=hadith&LINKID=82835أن النبي صلى الله عليه وسلم أمره أن لا يأخذ من الكسور شيئا } [ ص: 210 ] وهو ضعيف بالمنهال بن الجراح . وأما ما نسبه المصنف إلى حديث عمرو بن حزم فقال عبد الحق في أحكامه : روى أبو أويس عن عبد الله ومحمد ابني أبي بكر بن عمرو بن حزم عن أبيهما عن جدهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه كتب هذا الكتاب لعمرو بن حزم الحديث ، وذكر في الفضة فيه { nindex.php?page=hadith&LINKID=82836ليس فيها صدقة حتى تبلغ مائتي درهم ، فإذا بلغت مائتي درهم ففيها خمسة دراهم ، وفي كل أربعين درهما درهم ، وليس فيما دون الأربعين صدقة } ولم يعزه عبد الحق لكتاب ، وكثيرا ما يفعل ذلك في أحكامه ، والموجود في كتاب nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم عند nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي nindex.php?page=showalam&ids=13053وابن حبان nindex.php?page=showalam&ids=14070والحاكم وغيرهم { nindex.php?page=hadith&LINKID=65095وفي كل خمس أواق من الورق خمسة دراهم وما زاد ففي كل أربعين درهما درهم } وروى nindex.php?page=showalam&ids=12508ابن أبي شيبة قال : حدثنا عبد الرحمن بن سليمان عن nindex.php?page=showalam&ids=16274عاصم عن الحسن قال : كتب nindex.php?page=showalam&ids=2عمر إلى nindex.php?page=showalam&ids=110أبي موسى الأشعري " فما زاد على المائتين ففي كل أربعين درهما درهم " وتقدم في الحديث المصحح قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=65039هاتوا ربع العشور من كل أربعين درهما درهم } .
فقوله من كل أربعين درهما درهم خرج تفسيرا لقوله هاتوا ربع العشور فيفيد هاتوا ربع العشور على هذا الوجه لأن هذه الجملة في موضع الحال من المفعول فتكون قيدا في عامله الذي هو الأمر بالإعطاء فيكون الوجوب على هذا الوجه .
بقي أن يقال : قصاراه أنه لم يتعرض للنفي عما دونها إلا بمفهوم الصفة ، ولا يعتبر عندنا أو بالإضافة إلى العدم الأصلي ، وحديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي متعرض لإيجابه ، ولو اعتبر المفهوم كان المنطوق مقدما عند المعارضة ، خصوصا وفيه الاحتياط . فالأولى حينئذ إثبات المعارضة بين [ ص: 211 ] حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي وحديث عمرو بن حزم وأثر nindex.php?page=showalam&ids=2عمر فإنهما يفيدان أن تمام حكم ما زاد أن يجب في كل أربعين درهم فلا يكون من حكم ما زاد خلاف ذلك وإلا لم يكن بيانا لحكم ما زاد بل لبعضه فإن قيل : يحمل على إرادة ما زاد من الأربعينات دفعا للمعارضة .
قلنا ليس بأولى من اعتبار مثله في حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي بأن يحمل ما زاد فبحسابه : أي ما زاد من الأربعينات فبحساب الخمسة في المائتين وهو أن يكون فيها درهم . فإن قيل : بل الحمل في معارض حديث nindex.php?page=showalam&ids=8علي أولى منه فيه لأنه موجب وذلك مسقط فيكون فيه الاحتياط ، وظن أن حديث nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ نهي فيقدم غلط بأدنى تأمل ; لأنه إنما نهي المصدق ، وكلامنا فيما يرجع إلى رب المال وهو ليس بمنهي أن يعطي بل الواقع في حقه تعارض السقوط والوجوب .
قلنا : ذلك لو لم يكن ملزوما للحرج العظيم والتعذر في بعضها في كثير من الصور وهو ما أشار إليه المصنف بقوله لتعذر الوقوف ، وذلك أنه إذا ملك مائتي درهم وسبعة دراهم وجب عليه على قولهما خمسة وسبعة أجزاء من أربعين جزءا من درهم ، فإذا لم يؤد حتى جاءت السنة الثانية كان الواجب عليه زكاة مائتي درهم ودرهم وزكاة ثلاثة وثلاثين جزءا من درهم وذلك لا يعرف ، ولأنه أوفق لقياس الزكوات لأنها تدور بعفو ونصاب ( قوله والمعتبر في الدرهم إلخ ) هذا الاعتبار في الزكاة ونصاب الصدقة والمهر وتقدير الديات ، وإذ قد أخذ المثقال في تعريف الدرهم فلا بد من النظر فيه ، وظاهر كلام المصنف في صدقة الذهب أنه معروف .
قال أبو عبيد في كتاب الأموال ولم يزل المثقال في آباد الدهر محدودا لا يزيد ولا ينقص . وكلام السجاوندي في كتاب قسمة التركات خلافه ، قال الدينار : بسنجة أهل الحجاز عشرون قيراطا والقيراط خمسة شعيرات ، فالدينار عندهم مائة شعيرة وعند أهل سمرقند ستة وتسعون شعيرة ، فيكون القيراط عندهم طسوجا وخمسه . وذكر فيه أيضا في تحديد الدينار مطلقا فقال : اعلم أن الدينار ستة دوانيق والدانق أربع طسوجات والطسوج حبتان والحبة شعيرتان والشعيرة ستة خرادل والخردلة اثنا عشر فلسا والفلس ست فتيلات والفتيل ست نقيرات [ ص: 212 ] والنقير ثمان قطميرات والقطميرة اثنتا عشرة ذرة انتهى .
فإن كان المراد بالخرادل أو الشعيرة المعروف فلا حاجة إلى الاشتغال بتقدير ذلك وهو تعريف الدينار على عرف سمرقند ، وتعريف دينار الحجاز هو المقصود إذ الحكم خرج من هناك ، ويوضح ذلك قوله صلى الله عليه وسلم { nindex.php?page=hadith&LINKID=15258المكيال مكيال أهل المدينة ، والوزن وزن أهل مكة } لفظ nindex.php?page=showalam&ids=15395النسائي عن أحمد بن سليمان ووثقه
وإن لم يكن كذلك بل لهم فيه اصطلاح خاص فلم يحصل مما ذكره تحديد ولا تمييز عند العقل لأن الذرة حينئذ هي مبدأ ما يقدر به هذه المسميات الاصطلاحية ولا يعرف شخصها ، وقد لا يقدر على الاعتبار بها لو عرف ، وأنت تعلم أن المقصود تقدير كمية شيء موجود ثابت ، والتوصل إلى ذلك لا يتوقف على هذه التكلفات مع أنه لم يحصل بذلك مقصود ، وغير واحد اقتصر على التقدير الأول ، والاقتصار على مثله لا يجوز في إفادة التقدير إلا أن يكون المراد الوسط بين الشعيرات المعروفة وإلا يكون تجهيلا
ولو انتهى إلى الخردل كان حسنا إذ لا يتفاوت آحاده وكذا بعض الأشياء ، وهذا كله على تقدير كون الدينار والمثقال مترادفين ، والظاهر أن المثقال اسم للمقدار المقدر به والدينار اسم للمقدر به بقيد ذهبيته ، وإذ قد عرفت هذا فقالوا : كانت الدراهم على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم ثلاثة أصناف : صنف كل عشرة وزن عشرة مثاقيل ، وصنف كل عشرة وزن خمسة ، وصنف كل عشرة بوزن ستة ، فلما وقع الخلاف في الإيفاء والاستيفاء ، وقيل أراد nindex.php?page=showalam&ids=2عمر أن يستوفي الخراج بالصنف الأول فالتمسوا التخفيف ، فجمع حساب زمانه فأخرجوا عشرة وزن سبعة
وقيل أخذ nindex.php?page=showalam&ids=2عمر رضي الله عنه من كل صنف درهما فخلطه فجعله ثلاثة دراهم متساوية فخرج الدرهم أربعة عشر قيراطا كل عشرة وزن سبعة مثاقيل فبقي العمل عليها وأجمع الناس عليها ، وهذا صريح في أن كون الدراهم بهذه الزنة لم تكن في زمنه صلى الله عليه وسلم ، ولا شك في ثبوت وجوب الزكاة في زمانه عليه الصلاة والسلام وتقديره لها واقتضاء عماله إياها خمسة من كل مائتين
فإن كان المعين لوجوب الزكاة في زمانه الصنف الأعلى لم يجز النقص ، وإن كان ما دونه لم يجز تعيين هذه لأنها زيادة على المقدر توجب نفي الوجوب بعد تحققه لأنه على ذلك التقدير يتحقق في مائتين وزن خمسة أو ستة ، فالقول بعدم الوجوب ما لم تبلغ وزن مائتين وزن سبعة ملزوم لما ذكرنا .
وظاهر كلام nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد في كتاب الأموال أن أيها وجد كانوا يزكونه قال : كانت الدراهم قبل الإسلام كبارا وصغارا ، فلما جاء الإسلام وأرادوا ضرب الدراهم وكانوا يزكونها من النوعين فنظروا إلى الدرهم الكبير فإذا هو ثمانية دوانيق وإلى الدرهم الصغير فإذا هو أربعة دوانيق ، فوضعوا زيادة الكبير على نقصان الصغير فجعلوها درهمين سواء كل واحد ستة دوانيق ، ثم اعتبروها بالمثاقيل ، ولم يزل المثقال في آباد الدهر لا يزيد ولا ينقص فوجدوها عشرة من هذه وزن سبعة مثاقيل انتهى .
وإنما سقنا بقية كلامه ليظهر ما فيه من المخالفة لما تقدم ويقتضي أن النصاب ينعقد من الصغار ، وهو الحق لأنهم لم يختلفوا في تفاوت الدراهم صغرا وكبرا في زمانه صلى الله عليه وسلم ، فبالضرورة تكون الأوقية مختلفة أيضا بالصغر والكبر ، وقد { nindex.php?page=hadith&LINKID=82839أوجب عليه الصلاة والسلام في [ ص: 213 ] خمس أواق الزكاة } مطلقا من غير تقييد بصنف ، فإذا صدق على الصغيرة خمس أواق وجب فيها الزكاة بالنص ، ويؤيده نقل nindex.php?page=showalam&ids=12074أبي عبيد أنهم كانوا يزكون النوعين ، وعن هذا والله أعلم ذهب بعضهم إلى أن المعتبر في حق كل أهل بلد دراهمهم .
ذكره قاضي خان ، إلا أني أقول : ينبغي أن يقيد بما إذا كانت دراهمهم لا تنقص عن أقل ما كان وزنا في زمنه عليه الصلاة والسلام وهي ما تكون العشرة وزن خمسة لأنها أقل ما قدر النصاب بمائتين منها حتى لا تجب في مائتي من الدراهم المسعودية الكائنة بمكة مثلا وإن كانت دراهم قوم ، وكأنه أعمل إطلاق الدراهم والأواقي في الموجود وما يمكن أن يوجد ويستحدث ، ونحن أعملناه في الموجود ; لأن الظاهر أن الإشارة بالكلام إلى ما هو المعهود الثابت ، والله أعلم .
فإن لم يكن لهم دراهم إلا كبيرة كوزن سبعة فالاحتياط على هذا أن تزكى ، وإن كانت أقل من مائتين إذا بلغ ذلك الأقل قدر نصاب هو وزن خمسة ، ألا يرى أنه إذا لم تكن الدراهم إلا وزن عشرة أو أقل مما يزيد على وزن سبعة وجب الزكاة في أقل من مائتين منها بحساب وزن السبعة . وعن هذا قال في الغاية : دراهم مصر أربعة وستون حبة ، وهو أكبر من درهم الزكاة فالنصاب منه مائة وثمانون وحبتان انتهى .
فإذا لم يثبت أن درهم الزكاة مقدر شرعا بما هو وزن سبعة بل بأقل منه لما قلنا وجب أن يعتبر الأقل في الدراهم الكبيرة فتزكى إذا بلغت قدر مائتين من الصغار ، والله سبحانه أعلم . ثم ما ذكر في الغاية من دراهم مصر فيه نظر على ما اعتبروه في درهم الزكاة ; لأنه إن أراد بالحبة الشعيرة فدرهم الزكاة سبعون شعيرة إذ كان العشرة وزن سبعة مثاقيل ، والمثقال مائة شعيرة على ما قدمناه فهو إذا أصغر لا أكبر
وإن أراد بالحبة أنه شعيرتان كما وقع تفسيرها في تعريف السجاوندي الطويل فهو خلاف الواقع ، إذ الواقع أن درهم مصر لا يزيد على أربع وستين شعيرة لأن كل ربع منه مقدر بأربع خرانيب والخرنوبة مقدرة بأربع قمحات وسط ( قوله فهو فضة ) أي فتجب فيه الزكاة كأنه كله فضة لا زكاة العروض ولو كان أعدها للتجارة ، بخلاف ما إذا كان الغش غالبا ، فإن نواها للتجارة اعتبرت قيمتها ، وإن لم ينوها فإن كانت بحيث يتخلص منها فضة تبلغ نصابا وحدها أو لا تبلغ ، لكن عنده ما يضمه [ ص: 214 ] إليها فيبلغ نصابا وجب فيها لأن عين النقدين لا يشترط فيهما نية التجارة ولا القيمة ، وإن لم يخلص فلا شيء عليه لأن الفضة هلكت فيه ، إذ لم ينتفع بها لا حالا ولا مآلا فبقي العبرة للغش . وهي عروض يشترط في الوجوب فيها نية التجارة . وعلى هذا التفصيل الذهب المغشوش .
وإذا استوى الغش فيهما قيل تجب فيه احتياطا وقيل لا تجب وقيل يجب درهمان ونصف . كذا حكاه بعضهم . ولا يخفى أن المراد بقول الوجوب أنه تجب في الكل الزكاة . ففي مائتين خمسة دراهم كأنها كلها فضة . ألا ترى إلى تعليله بالاحتياط ، وقول النفي معناه لا تجب كذلك . والقول الثالث لا بد من كونه على اعتبار أن يخلص وعنده ما يضمه إليه فيخصه درهمان ونصف . وحينئذ فليس في المسألة إلا قولان ; لأن على هذا التقدير لا يخالف فيه أحد . فحكاية ثلاثة أقوال غير واقع .
والذهب المخلوط بالفضة إن بلغ الذهب نصابا ففيه زكاة الذهب وإن بلغت الفضة نصابها فزكاة الفضة ، لكن إن كانت الغلبة للفضة ، أما إن كانت مغلوبة فهو كله ذهب لأنه أعز وأغلى قيمة . كذا ذكر والله سبحانه أعلم .