[ ص: 349 ] فصل في
بيان وجوه الوقف على المد اللازم الكلمي المتطرف
وهذا لا يكون إلا في المد اللازم الكلمي المثقل نحو
غير مضار [النساء: 12]
والدواب [الحج: 18] فإذا وقف عليه فليس فيه إلا الوقف بالمد الطويل كالوصل؛ عملا بأقوى السببين وهو السكون المدغم بعد حرف المد، وإلغاء للسبب الضعيف وهو سكون الوقف، ويجب التحفظ فيه لدى الوقف من أن يوقف عليه بالحركة كما يفعله بعض من لا علم عنده؛ فإن هذا خطأ لا يجوز فعله، والصواب - كما في النشر - الوقف بالسكون مع التشديد على الجمع بين الساكنين، إذ الجمع بينهما في الوقف مغتفر مطلقا اهـ.
وعليه، فالوقف على المد اللازم المنصوب نحو:
صواف [الحج: 36] بالسكون المجرد فقط، والوقف على المجرور منه نحو:
غير مضار [النساء: 12] بالسكون المجرد ثم بالروم، والوقف على المرفوع منه نحو: " ولا جان " [الرحمن: 39، 56، 74] بالسكون المجرد، ثم بالسكون مع الإشمام، ثم بالروم، وكل من الوقف بالسكون المجرد أو بالسكون مع الإشمام، أو بالروم - لا يكون إلا مع المد الطويل.
ويلاحظ حذف التنوين من المنون منه حالة الوقف بالروم كحذفه حالة الوقف بالسكون، كما تقدم ذلك قريبا.
وقد أشار العلامة المحقق الشيخ
إبراهيم السمنودي - حفظه الله - إلى وجوه الوقف على المد اللازم المتطرف بقوله في لآلئ البيان:
سكنه إن تقف وأشمم رافعا ورمه مع جر بمد مشبعا
اهـ
[ ص: 350 ] الكلام على المسألة الخامسة في مراتب المد الفرعي، وما يترتب عليها
تقدم أن للمد الفرعي سببين لفظيين هما: الهمز والسكون، كما تقدم أن الهمز سبب لأنواع ثلاثة، وهي: المد المتصل، والمنفصل، والبدل، وأن السكون سبب لنوعين هما: المد اللازم، والعارض للسكون.
وقد مر توضيح ذلك والتمثيل بما فيه الكفاية، وأسباب هذه المدود تتفاوت قوة وضعفا، فأقواها السكون الأصلي الذي هو سبب للمد اللازم، ويليه الهمز الذي هو سبب المد المتصل، ويليه السكون العارض في الوقف الذي هو سبب للمد العارض للسكون، ويليه الهمز الذي هو سبب المد المنفصل، ويليه الهمز المتقدم على حرف المد وهو المسمى بمد البدل وهو أضعفها.
ومن ثم يعلم أن مراتب المد الفرعي خمس، وهي في الترتيب كما يلي:
المد اللازم، فالمتصل، فالعارض للسكون، فالمنفصل، فالبدل، ولا يجوز بحال تقديم مرتبة منها على الأخرى، أو تأخير واحدة عن مكانها.
وقد أشار إلى هذه المراتب على هذا الترتيب غير واحد من شيوخنا، وإليك أخصرها لصاحب لآلئ البيان، قال:
أقوى المدود لازم فما اتصل فعارض فذو انفصال فبدل
اهـ
فائدة: يترتب على معرفة هذه المراتب على هذا النسق قاعدتان كليتان، يجب مراعاتهما، والإخلال بشيء منهما مفسد للقراءة، وفيما يلي الكلام عليهما:
القاعدة الأولى: إذا اجتمع مدان مختلفان في النوع فلا يخلو حالهما من أن يكون أحدهما ضعيفا والآخر قويا، فإن تقدم القوي على الضعيف ساوى الضعيف القوي ونزل عنه، وفي العكس يساوي القوي الضعيف ويعلو عنه، وهذا هو
[ ص: 351 ] الضابط في هذه القاعدة، وإليك مثالا من مثلها، وهو تقدم المد الجائز العارض للسكون - وهو القوي - على المد الجائز العارض للسكون الذي سكونه العارض بعد حرف اللين فقط - وهو الضعيف - مثاله قوله تعالى:
لأقطعن أيديكم وأرجلكم من خلاف ولأصلبنكم أجمعين قالوا لا ضير [الشعراء: 49 - 50] بأن وقفت على "أجمعين" وعلى "لا ضير" فعلى القصر في "أجمعين" القصر في اللين "لا ضير" فقط، وعلى التوسط في "أجمعين" التوسط في اللين للتساوي، ثم القصر بقدر حركتين نزولا عن الأول لضعفه، ثم المد في الأول، وعليه الثلاثة في اللين، فالمد للتساوي بالأول، والتوسط والقصر للنزول عنه لضعفه.
وإنما لم يؤت بأقل من القصر في الثاني على قصر الأول للنزول - كما هي القاعدة - لأنه ليس هناك مرتبة أقل من القصر، حينئذ فالمساواة هنا واجبة، فتأمل.
ومثال تقدم الضعيف على القوي نحو قوله سبحانه
ذلك الكتاب لا ريب فيه هدى للمتقين [البقرة: 2] بأن وقف على "لا ريب" وعلى "المتقين" فعلى قصر "لا ريب" المدود الثلاثة في "المتقين" فالقصر للتساوي بالأول، والتوسط والمد؛ لأنه أقوى من اللين، وهذا هو المعبر عنه بالعلو، وعلى توسط "لا ريب" عليه في "المتقين" وجهان، هما التوسط تساويا بالأول والإشباع؛ لأنه أقوى من اللين، وهذا هو المعبر عنه بالعلو كما مر.
وعلى الإشباع في "لا ريب" الإشباع في "المتقين" فقط، ولا يجوز فيه التوسط ولا القصر؛ لأنه يعتبر نزولا عنه، وهو ممنوع حينئذ بالإجماع، فالأوجه ستة في كلتا الحالتين، وهي لكل القراء بالإجماع، وقد تقدم الكلام على ذلك مع شواهد له من المنظوم، وهذا توجيهه - كما وعدنا هناك - فتأمله، والله يرشدك، ولنكتفي بهذا المثال لهذه القاعدة، وإلا فهناك أمثلة لمدود أخرى تركنا ذكرها؛ رغبة في الاختصار، ومراعاة لحال المبتدئين.
القاعدة الثانية: إذا اجتمع سببان للمد الفرعي في كلمة واحدة فلا يخلو الأمر من أن يكون أحدهما ضعيفا والآخر قويا، وحينئذ يعمل بالسبب القوي ويلغى
[ ص: 352 ] العمل بالسبب الضعيف، وهذا أمر متفق عليه.
ومن أمثلة ذلك كلمة
آمين [المائدة: 2] فقد اجتمع فيها سببان للمد:
الأول: سبب المد البدل وهو تقدم الهمز على حرف المد.
والثاني: سبب المد اللازم وهو السكون الأصلي المدغم الواقع بعد حرف المد، وهنا يلغى الضعيف وهو المد البدل، ويعمل بالقوي وهو المد اللازم، وحينئذ يجب الإشباع وصلا ووفقا؛ عملا بأقوى السببين.
وكذلك كلمة
برآء [الممتحنة: 4] فقد اجتمع فيها سببان، سبب المد البدل وهو الهمز المتقدم على حرف المد، وسبب المد المتصل وهو الهمز الواقع بعد حرف المد في كلمة، وهنا يلغى سبب مد البدل لضعفه، ويعمل بسبب المد المتصل لقوته؛ عملا بأقوى السببين كذلك.
وكذلك كلمة
الدعاء [إبراهيم: 39] فقد اجتمع فيها سببان، الأول سبب المد المتصل وهو الهمز الذي بعد حرف المد في كلمة، والثاني السكون العارض الذي في الهمز، والذي هو سبب المد العارض للسكون، وهنا يلغى سبب المد العارض للسكون لضعفه، فيمتنع فيه القصر، ويعمل بسبب المد المتصل لقوته، فتعين مده؛ عملا بأقوى السببين أيضا.
ومن ذلك كلمة
صواف [الحج: 36] فقد اجتمع فيها سبب المد اللازم وهو السكون الأصلي المدغم بعد حرف المد، كما اجتمع فيها سبب مد العارض للسكون وهو السكون العارض في الوقف، وهنا يعمل بسبب المد اللازم لقوته، فيمد طويلا، ويلغى سبب المد العارض للسكون فيمتنع قصره وتوسطه؛ عملا بأقوى السببين أيضا.
ومن ذلك كلمة
المآب [آل عمران ، الآية: 14] فقد اجتمع فيها سببان:
[ ص: 353 ] الأول: سبب مد البدل وهو الهمز المتقدم على حرف المد.
الثاني: سبب المد الجائز العارض للسكون وهو السكون العارض للوقف، فيعمل بسبب المد العارض لقوته، ويلغى سبب المد البدل لضعفه؛ عملا بأقوى السببين.
وكذلك كلمة
رأى أيديهم [هود: 70] عند الوصل، فقد اجتمع هنا سببان للمد:
أحدهما: سبب المد البدل وهو تقدم الهمز على حرف المد.
وثانيهما: سبب المد المنفصل، وهو الهمز الواقع بعد حرف المد في كلمة أخرى، وهنا يلغى سبب المد البدل لضعفه، ويعمل بسبب المد المنفصل لقوته؛ عملا بأقوى السببين كذلك، وأما عند الوقف على "رأى" فيتعين سبب مد البدل لا غير، وهكذا دواليك.
وقد أشار إلى قاعدة العمل بأقوى السببين الحافظ
ابن الجزري في الطيبة بقوله:
................... وأقوى السببين يستقل
اهـ
كما أشار إليها صاحب لآلئ البيان بقوله:
وسببا مد إذا ما وجدا فإن أقوى السببين انفردا
اهـ
والله أعلم.