ثم احتج الله عليهم؛ ونبه على عظم ما أتوه في أن أقدموا على الكذب على الله؛ وأقدموا على أن شرعوا من الدين ما لم يأذن به الله؛ فقال :
وهو الذي أنشأ جنات معروشات ؛ فكأنه قال : " افتروا على الله وهو المحدث للأشياء؛ الفاعل ما لا يقدر أحد على الإتيان بمثله " ؛ فقال - عز وجل - :
وهو الذي أنشأ ؛ أي : ابتدع جنات معروشات؛ و " الجنات " : البساتين؛
وغير معروشات ؛ ومعنى " المعروشات " ؛ ههنا : الكروم؛
والنخل والزرع مختلفا أكله ؛ في حال اختلاف أكله؛ وهذه مسألة شديدة في النحو؛ إلا على من عرف حقيقتها؛ لأن للقائل أن يقول : كيف أنشأه في حال اختلاف أكله؛ وهو قد نشأ من قبل وقوع أكله - و " أكله " : ثمره -؟ فالجواب في ذلك أنه - عز وجل - قدر إنشاءه بقوله :
خالق كل شيء ؛ فأعلم - عز وجل - أنه المنشئ له في حال اختلاف أكله؛ ويجوز " أنشأه ولا أكل فيه مختلفا أكله " ؛ لأن المعنى : " مقدرا ذلك فيه " ؛ كما تقول : " لتدخلن منزل زيد آكلين شاربين " ؛ المعنى : " تدخلون مقدرين ذلك " ؛
nindex.php?page=showalam&ids=16076وسيبويه دل على ذلك؛ وبينه في قوله : " مررت برجل معه صقر صائدا به غدا " ؛ فنصب " صائدا " ؛ على الحال؛ والمعنى : " مقدرا الصيد " ؛ ومعنى
متشابها وغير متشابه ؛
[ ص: 297 ] على ضربين؛ فأحدهما أن بعضه يشبه بعضا؛ وبعضه يخالف بعضا؛ ويكون أن يكون متشابها وغير متشابه؛ أن تكون الثمار يشبه بعضها بعضا في النظر؛ وتختلف في الطعوم؛ وقوله :
كلوا من ثمره إذا أثمر ؛ " ثمر " : جمع " ثمرة " ؛ ويجوز " من ثمره " ؛ ويكون " الثمر " ؛ جمع " ثمار " ؛ فيكون بمنزلة " حمر " ؛ جمع " حمار " ؛ ويجوز " من ثمره " ؛ بإسكان الميم. وقوله - عز وجل - :
وآتوا حقه يوم حصاده ؛ يجوز " الحصاد " ؛ و " الحصاد " ؛ وتقرأ بهما جميعا؛ ومثله " الجداد " ؛ و " الجداد " ؛ لصرام النخل؛ اختلف الناس في تأويل "
وآتوا حقه يوم حصاده " ؛ فقيل : إن الآية مكية؛ وروي أن
nindex.php?page=showalam&ids=215ثابت بن قيس بن شماس صرم خمسمائة نخلة؛ ففرق ثمارها كله؛ ولم يدخل منه شيئا إلى منزله؛ فأنزل الله - عز وجل - :
وآتوا حقه يوم حصاده ولا تسرفوا ؛ فيكون على هذا التأويل أن الإنسان إذا أعطى كل ماله ولم يوصل إلى عياله وأهله منه شيئا فقد أسرف؛ لأنه جاء في الخبر : " ابدأ بمن تعول " ؛ وقال قوم : إنها مدنية؛ ومعنى " وآتوا حقه يوم حصاده " : أدوا ما افترض عليكم في صدقته؛ ولا اختلاف بين المسلمين في أمر الزكوات أن الثمار إذا
[ ص: 298 ] حصدت وجب إخراج ما يجب فيها من الصدقة فيما فرض فيه الصدقة؛ فعلى هذا التأويل يكون " ولا تسرفوا " ؛ أي : " لا تنفقوا أموالكم وصدقاتكم على غير الجهة التي افترضت عليكم " ؛ كما قال المشركون : " هذا ليس كائنا " ؛ وحرموا ما أحل الله؛ فلا يكون إسراف أبين من صرف الأموال فيما يسخط الله.