[ ص: 52 ] و ) حنث ( بعزمه ) أي الحالف ( على ضده ) أي المحلوف عليه في يمين الحنث لا في يمين البر خلافا للشارح قاله عب . طفي لم أر هذا الفرع منصوصا عليه بعينه لأحد من المتقدمين ، ولذا كل من تكلم عليه ممن يعتد به من شراحه إنما فسروه بجواز تقديم الكفارة قبل الحنث كالشارح وابن غازي والمواق ، وتبع المصنف فيما قال القرافي قال في مدارك البر والحنث . السادس العزم على عدم الفعل ، وهي على حنث . ا هـ . وجرى على هذا في كفاية اللبيب في كشف غوامض التهذيب ، فاستشكل قوله في كتاب النذور من قال لامرأته : أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها فليطلقها طلقة ثم يرتجعها فتزول يمينه .
ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبل الأجل ، وإنما يحنث إذا مضى الأجل ، ولم يفعل ما حلف عليه ا هـ . قوله فأراد إلخ هذه المسألة من مشكلات المدونة ، فإن الطلاق إنما يلزم بعدم التزويج فالطلاق المعجل لا يحل اليمين ، وإنما مبنى هذه المسألة أنه عزم على عدم الزواج فعزمه هذا هو حنثه فيلزمه طلقة بحنثه لا أنه ينشيها ، والعزم على عدم الفعل كعدم الفعل . ففي الجواهر إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي يكون مظاهرا عند اليأس ، أو العزم على عدم التزويج ، فجعل العزم يقوم مقام تعذر الفعل ، فقوله في الكتاب طلقها معناه تسبب في طلاقها لعزمه . ا هـ . وفيه نظر ولا معتمد له سوى كلام الجواهر . وقد قال ابن عرفة فيه لا أعرفه ، وقد تبع nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب والمصنف صاحب الجواهر في باب الظهار ، وأبقى ابن يونس وأبو الحسن وابن عرفة وجميع من تكلم عليها أو نقل كلامها على ظاهره ، فدل على أن العزم بمجرده لا يوجب حنثا ، ولو كان يوجبه ما احتاجوا إلى تحنيثه بتطليق زوجته في حلفه بطلاقها ليتزوجن عليها ، وعباراتهم كلهم : له أن يحنث نفسه ويطلقها فيلزم القرافي أن يستشكل جميع كلام أهل المذهب .
ويدل لما قلناه قول القلشاني في شرح الرسالة : من حلف بالطلاق ليفعل كذا ثم عزم على عدم الفعل ثم أراد أن يفعل فهل يلزمه الحنث بعزمه أو لا على ترك الفعل أو لا ، نقل [ ص: 53 ] nindex.php?page=showalam&ids=12671ابن الحاجب في كتاب الظهار حنثه بعزمه ، وقال ابن عرفة مقتضى المذهب خلافه فلو كانت المسألة منصوصة ما خفيت عليه والله أعلم . وكتب بعضهم ما نصه حيث كانت عباراتهم ما ذكر فذاك أدل دليل على ما قاله القرافي فهو موافق لكلامهم لأنه لا معنى لتحنيثه نفسه إلا عزمه على عدم الفعل ، فالعزم حنث وهو المطلوب على أنه قد صرح ابن المواز بمثل ما قاله القرافي ، ونص ابن عرفة ابن حارث اتفقوا في ذات الحنث على جوازها قبله إن عزم على عدم البر ، وفي ذات البر على استحباب تأخيرها عنه . محمد معنى إجزائها قبله أنه حنث بعزم ا هـ طفي . والمشهور عند ابن رشد وغيره أن التكفير قبل الحنث يجوز في اليمين بالله مطلقا كانت على بر أو حنث ، وفي غيرها إن كانت على حنث لا إن كانت على بر إلا إذا كان الطلاق آخر الثلاث أو العتق في معين .
واعلم أن كلام المدونة خلاف المشهور المتقدم عن ابن رشد وغيره قال فيها من قال لزوجته : أنت طالق واحدة إن لم أتزوج عليك فأراد أن لا يتزوج عليها طلقها واحدة ثم يرتجعها فتزول يمينه ، ولو ضرب أجلا كان على بر وليس له أن يحنث نفسه قبله ، وإنما يحنث إذا مضى ولم يفعل . ا هـ . فأنت ترى مذهبها في صيغة الحنث جواز التحنيث قبل الفعل إذا لم يؤجل وإلا فلا كصيغة البر ، هذا في غير اليمين بالله ، وأما هي فله التكفير في البر قبل الحنث والأولى بعده ، وفي الحنث إن لم يؤجل وإلا فلا .
ولما نقل المواق كلام التهذيب المتقدم ونقل أيضا قوله من قال والله لأفعلن كذا فإن ضرب أجلا فلا يكفر حتى يمضي الأجل ا هـ . وقال قبله قال ابن القاسم فيها من حلف بالله فأراد أن يكفر قبل الحنث فأما في يمينه لا أفعل كقوله والله لا أكلم زيدا فأحب إلي أن يكفر بعد الحنث ، فإن كفر قبله أجزأه وكذا في يمينه لأفعلن كقوله لأضربنه أو لأكلمنه ولم يؤجل فله أن يكفر ولا يفعل ، وإن أجل فلا يكفر حتى يمضي ا هـ . قال فحصل أن مذهبها أن الحالف بالله إن كان على بر فله أن يكفر قبل حنثه والأولى بعده ، [ ص: 54 ] وإن كان على حنث فإن لم يؤجل فله أن يكفر ولا يفعل ، وإن أجل فلا حتى يمضي . وقد نقل ابن عرفة كلامها وأبقاه على ظاهره ، وكذا أبو الحسن قائلا في قولها من قال والله لأفعلن كذا فإن أجل فلا يكفر حتى يمضي . ا هـ . المشهور عدم الإجزاء ، وقيل يجوز تقديم الكفارة . ا هـ . فعلى هذا يقيد المشهور الذي ذكره ابن رشد وغيره بكلامها فتوافقه ، وإن أطلقه الناقلون .
وقد لخص الحط مسائل التكفير قبل الحنث ونظمها ولم يذكر تفصيلها ولا أشار إليه بحال وقد حققنا لك المسألة بما لا مزيد عليه والله الموفق . وقيد الحط وسالم وعج قول المصنف وبعزمه على ضده بصيغة الحنث وأبقوه على ظاهره تقليدا منهم للقرافي ، وقد علمت ما فيه فلا تغتر بما قالوه وكن ممن يعرف الحق بنفسه لا بتقليد الرجال ، وقد تورك الزرقاني على المصنف بقوله ظاهره أنه يحنث بمجرد العزم والذي فيها ومن قال لامرأته : أنت طالق إلخ ، ومقتضاه أنه لا يقع الطلاق بمجرد العزم .
بعض شيوخنا وإذا لم يحنث بالعزم في الطلاق فأولى اليمين بالله ا هـ . البناني نعم المذهب عدم الحنث بالعزم لما نقله المواق هنا عن ابن رشد ونصه : انظر لو حلف بالطلاق والمشي والصدقة ليتزوجن عليها . ابن رشد إن أراد إذا حلف بجميع ذلك أن يحنث نفسه في الطلاق فقط فيطلق واحدة ليرتجع ويطأ كان له ذلك ، فإن بر بالتزويج قبل الموت سقط عنه المشي والصدقة ، وإن لم يبر حتى مات فالصدقة في ثلثه لأن حنثه إنما وجب بموته ا هـ .
ولما في آخر مسألة من سماع أبي زيد من كتاب الظهار حيث قال فيمن قال : إن لم أتزوج عليك فأنت علي كظهر أمي ، ثم أراد أن يكفر ليحل اليمين فابتدأ الكفارة ، فلما صام أياما أراد أن يبر بالتزويج عليها قال : إذا تزوج عليها سقطت عنه الكفارة ، هذا كلام السماع ومثله في كلام ابن رشد ، وهو صريح في أنه لا يحنث بالعزم إذ لو حنث به ما سقطت عنه الكفارة بالتزويج والله أعلم .